لكنّا عصاة، ولو ندبناه إليه، فقال:(الأولى أن تفعلوه، ولكم ألا تفعلوه) فلم نفعله لم نكن عصاة.
ولهذا يوصف تارك الواجب بأنه عاص لله تعالى، ولا يوصف تارك النوافل بذلك.
الثاني: أن العاصي للقول مقدم على مخالفته، وترك موافقته، فليس تخلو مخالفته: إما تكون بالإقدام على ما يمنع الأمر فقط، أو قد تثبت بالإقدام علي ما لا يتعرض له الزمر بمنع ولا إيجاب.
وهذا الثاني باطل، لأنا لو كنّآ عصاة للأمر بفعل ما لم نمنع منه، لوجب إذا أمرنا الله بالصلاة غدا، فتصدقنا اليوم أن نكون عصاة لذلك الأمر، بتصدقنا اليوم فبان أن مخالفة الأمر، إنما تثبت بالإقدام على ما يمنع منه، فإذا كان تارك ما أمر به عاصيا للأمر، والعاصي للأمر هو المقدم على مخالفة مقتضاه، فالمقدم على مخالفة مقتضاه مقدم على ما يحظره الآمر، ويمنع منه فثبت أن ترك المأمور به يحظره الآمر ويمنع منه، وهذا هو معنى الوجوب.
الدليل: أنه عليه الصلاة والسلام دعا أبا سعيد الخدري، فلم يجبه، لأنه كان في الصلاة، فقال: ما منعك أن تستجيب، وقد سمعت قوله تعالى:(يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول)[الأنفال:٢٤] فذمه على ترك الاستجابة عند مجرد ورود الأمر، فلولا أن مجرد الأمر للوجوب، وإلا لما جاز ذلك.
فإن قيل: هذا خبر واحد، فلا يجوز التمسك به في مسألة علمية: