فيبقى لدينا من أدلّة ابن القيِّم آيةُ هود، وهي قوله تعالى:{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}[هود: ١٠٧]، وحديث أبي داود وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي على النار زمان تخفق أبوابها وينبت في قعرها الجرجير"، أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّهما دليلان صالحان للاحتجاج بهما، فيجب علينا البحث والتنقيب عن وجه يمكن به الجمع بين الأدلة؛ لأنَّ إعمال الدَّليلين أولى من طرح أحدهما كما هو مقرَّر في فنِّ الأصول، قال في مراقي السُّعود:
والجَمْعُ واجبٌ متى ما أَمكنا ... إلا فَلِلأَخيرِ نَسْخٌ بيِّنا
إن عندنا أدلةَ على أنَّ النَّار أبديةٌ ولا ينقطع عذابها، وهذه الآية التي من سورة هود وهذا الحديث الحسن دليلان يفيدان أنَّ النَارَ تفنى، فما العمل؟
والجواب: أنَّنا نرى إمكان الجمع بين هذه الأدلة، بحمل آية هود وحديث أبي داود على الدَّرك من النَّار المخصَّص لتطهير عصاة المسلمين؛ فإنَّه يخرج منه آخر مَنْ بقلبه مثقالُ ذرةٍ من إيمان، ويخبو وتخفق أبوابه وينبت في قعره الجرجير، أما دركات النَّار المعدة سجنًا وعذابًا للكفار فهي أبدية وعذابها لا ينقطع.