جاءهم من قِبَل أنفسهم، وأنَّهُ هو فشلُهُمْ وتنازُعُهم في الأمر، وعصيانُ بعضهم الرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ورغبتُهُم في الدنيا، وذلك أنَّ الرُّماة الذين كانوا بسفح الجبل يمنعون الكفار أنْ يأتوا المسلمين من جهة ظهورهم طمعوا في الغنيمة عند هزيمة المشركين في أوَّلِ الأمر، فتركوا أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأجل رغبتهم في الدُّنيا لينالوا عَرَضًا منها.
وأمَّا المسألة التَّاسعة: والتي هي مسألةُ ضَعْف المسلمين، وقلَّةُ عَدَدهم وعُدَدهم بالنسبة إلى الكفار؛ فقد أوضح الله -جلَّ وعلا- علاجها في كتابه العزيز، فبَيَّنَ أنَّهُ إِنْ عَلِمَ في قلوب عبادِهِ الإخلاصَ كما ينبغي كان من نتائج ذلك الإخلاص أنْ يَقْهروا ويغلبوا مَنْ هو أقوى منهم.
ولذا لمَّا عَلِمَ -جلَّ وعلا- من أهل بيعة الرِّضوان الإخلاص كما ينبغي، ونَوَّهَ بإخلاصهم في قوله تعالى:{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}[الفتح: ١٨] بَيَّنَ أنَّ من نتائج ذلك الإخلاص أنَّهُ تَعالى يجعلهم قادرين على ما لم يقدروا عليه، قال تعالى:{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا}[الفتح: ٢١] , فصَرّحَ بأنَّهم غير قادرين عليها، وأنه أحاط بها فأقدرهم عليها، وجعلها غنيمة لهم لما علم من إخلاصهم.