مثال ذلك: رجل رهن سيارته عند إنسان بدَيْن عليه، فقبضها المرتَهِن صاحب الدَّيْن، وبعد مُضِيّ يومين أتى إليه الراهن وقال: أرجو أن تعطيني السيارة؛ لأني أحتاجها، وهي عندك واقفة لا تستفيد منها، قال: نعم، فردها المرتهن إلى الراهن. ففي هذه الصورة يزول لزوم الرهن، وللراهن أن يتصرف فيه، هذا على كلام المؤلف.
ولهذا قال:(فإن أخرجه إلى الراهن باختياره زال لزومه، فإذا رَدَّه إليه عاد لزومه إليه).
وهذا كُلُّه مبني على أن القبض شرط في لزوم الرهن، وأن استدامته شرط كذلك، والصواب خلاف هذا، فليس القبض شرطًا، ولا استدامته شرطًا.
***
ثم قال المؤلف:(وَلا ينفُذ تَصَرُّفُ واحدٍ منهما فيه بغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ إلَّا عِتْقَ الرَّاهِنِ).
(لا ينفذ) يعني: لو أن أحدهما -أي: الراهن أو المرتهن- تصرف فيه بأي تصرف فإنه لا ينفذ، لماذا؟ أما كون الراهن لا ينفذ تصرفه فلأن الرهن مشغول بحق غيره، وتصرفه فيه إبطال لحق الغير، وأما كون المرتَهِن لا يملك التصرف فلأن المرتهن ليس مالكًا، الرهن ملك لمن؟ للراهن، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه، فلا يصح أن يتصرف لا الراهن ولا المرتهن في المرهون.
وعلى هذا فيبقى الرهن مُعَطَّلًا، إذا امتنع كُلٌّ منهما أن يأذن للآخر يبقى مُعَطَّلًا، فلو أن الإنسان رهن بيتًا في دَيْن، الدَّيْن خمس مئة ألف، والبيت يساوي أجرةً خمسين ألفًا، فطلب الراهن من المرتهن أن يؤجِّر البيت لينتفع بالأجرة، فأبى المرتهن، أو طلب المرتهن من الراهن أن يؤجِّر البيت فأبى الراهن، فإن البيت يبقى مُعَطَّلًا، لا ينتفع به أحد، وهذا القول كما ترى فيه شيء من إضاعة المال.