مثال ذلك: رجل استدان من شخص مئة ألف وأرهنه سيارته، السيارة الآن بيد المرتهن، الرهن لازم في حق الراهن، لا يمكن للراهن أن يفسخ الرهن ويقول: أعطني السيارة، والمرتهن في حقه جائز، ووجه ذلك أن الرهن حق على الراهن للمرتهِن، وحق للمرتهن على الراهِن، وكل ذي حق فله أن يُسقط حقه؛ لأنه يملك ذلك، فإذا قال المرتهِن: أنا أبرأتك من رهنك، وخذ الرهن، وأنت في حل، بقي الدَّيْن مرسلًا لا رهن فيه. لكن هل يُؤجر المرتهِن على ذلك أو لا؟
يُنظر، إذا كان هناك مصلحة، بأن كان الراهن محتاجًا للرهن، وكان رجلًا عاقلًا، نعرف أنه يُقدِّر الأمور، وأنه لن يلعب بالمال، فهنا قد نقول: من المصلحة أن يتنازل عن الرهن؛ لأجل أن ينتفع به صاحبه. أما إذا علمنا أن الراهن رجل مبذر سفيه، لو أطلقنا له الرهن لباعه وتصرف، وأضاع ذمته، وأضاع حق الآخرين، فهنا نقول: الأفضل ألا يتنازل؛ لأن الله تعالى قال في العفو -وهو مما يحبه الله عز وجل- قال:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى: ٤٠]، فأما بدون إصلاح فعدم العفو هو الخير وهو الصلاح.
أفادنا المؤلف بهذا أن الرهن عقد لازم من وجه، جائز من وجه آخر.
هناك قِسْم آخر من العقود لازم من الطرفين، مثل عقد البيع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا، وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ»(٩)، «وَجَبَ» يعني لزم، من الجانبين أو من جانب واحد؟ من الجانبين، هذا عقد لازم من الجانبين.
هناك عقد جائز من الجانبين، كعقد الوكالة: إنسان وكَّل شخصًا، وكَّله أن يشتري له سيارة، فلكل واحد من الوكيل والموكل أن يفسخ العقد.