لكن يمكن أن يجاب عن ذلك فيقال: إنَّ هذا ليس ببيع، تَنازُل مَن له الثمرة الثانية ليس بيعًا، ولكنه هبة وتبرُّع، ومعلوم أنه يجوز أن يتبرع الإنسان بثمر النخل قبل بدو صلاحه؛ لأن المنهي عنه إنما هو البيع، وأما الهبة والتبرع فإن الموهوب له والمتبرَّع له إما كاسب وإما سالِم؛ إما غانم إن بقي الثمر وصلح، وإلا سالم، ما فيه غرر ولا جهالة ولا مَيْسِر.
وهذا القول الثاني أصح؛ أنه إذا حصلت ثمرة واشتبهت بالأولى فنقول: اصطَلِحَا، فإن تَنازَل مَن له الثمرة الثانية قال: الكل عندي سواء، والثمرة التي حصلت بعد البيع هي له، فحينئذٍ نقول: البيع يبقى ولا نزاع ولا خصومة.
لكن يبقى المسألة الثالثة: إذا أَبَيَا أن يصطلحَا، وأبى مَن له الثمرة الثانية أن يهبها للأول، فماذا نصنع؟
يقول الفقهاء الذين قالوا بعدم بطلان البيع: يُجبَرون على الصلح، يُجبَر المشتري ومَن له الثمرة الجديدة على الصلح؛ لأنه لا يمكن الانفكاك إلا بهذا، وكوننا نبطل البيع قد يكون فيه ضرر على البائع أو المشتري، إن كانت الأمور قد رَخصت فالضرر على مَنْ؟
طالب: على البائع.
طالب آخر: المشتري.
الشيخ: أصلًا لا بد من الخلاف حتى وإن كان الأمر واضحًا، إذا كان البيع قد نزل؟
طالب: على البائع.
طالب آخر: على المشتري.
الشيخ: على البائع، واضح ما فيه إشكال، وإن كانت الثمرة قد زادت قيمتها فالضرر على المشتري، ولهذا نقول لهم: إذا حكمنا ببطلان البيع صار ضرر، فلا بد أن تصطلحَا، فإن أَبَيَا إلا بثالث يُصلِح بينهما قلنا: لا بأس، نقيم ثالثًا يصلح بينهما وتنتهي المشكلة.