قوله:(تستحب) بعد ذكر الوداع قد يفهم منه أن من كمال الحج بعد الوداع أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه، ولكن هذا المفهوم ليس مرادًا، وإنما يذكر الفقهاء زيارة المسجد النبوي بعد الحج؛ لأنهم كانوا فيما سبق يشق عليهم أن يفردوا زيارة المسجد النبوي بسفر، والحجاج إذا جاؤوا إلى مكة يسهل عليهم أن يذهبوا إلى المدينة، فمِن ثَمَّ صار الفقهاء رحمهم الله يذكرون الزيارة؛ زيارة المسجد النبوي عقب ذِكْر الحج.
يقول المؤلف رحمه الله:(تُستحب زيارة قبر النبي) ظاهره أنه تشد الرحال لزيارة قبره؛ أي: قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه قال:(تستحب زيارة قبره) بعد ذكر الحج، ومعلوم أن من ذهب يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحج فإنه لا بد أن يشد الرحل، وهذا أحد القولين أو الأقوال في المسألة، فقد قيل: إنه يحرم شد الرحل لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: جائز، وقيل: مكروه.
ولكن شيخ الإسلام رحمه الله بَيَّن أن الأدلة تقتضي التحريم؛ تحريم شد الرحل إلى زيارة القبر وقال: لا يوجد في الدنيا مكان تُشد إليه الرِّحال إلا المساجد الثلاثة، هي التي تشد إليها الرحال بنص الحديث، وكتب في ذلك رسائل رحمه الله وبينها.
وقوله رحمه الله:(تُستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه) يعني: يشد الرحل لذلك، ولكن فيه نظر.
ويقال للإنسان: بدل أن تنوي شد الرحل لزيارة قبره الشريف انوِ شد الرحل لزيارة المسجد الشريف، المسجد النبوي الذي أُذِن لك أن تشد الرحل إليه، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»(١٢). وإذا وصلت إلى هناك حينئذٍ نقول: زُر قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه.