للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما القرآن فقالوا: إن الظاهر من قصة داود عليه الصلاة والسلام أن الله سبحانه وتعالى لَامَهُ حيث حكم لأحد الخصمين قبل أن يسمع حجة الآخر، وذلك في القصة التالية: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ} [ص: ٢١، ٢٢]، ثم قال المدَّعِي: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص: ٢٣]، هذه صورة الدعوى.

الحكم: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص: ٢٤]، ولم يسمع حجة الخصم.

ففي هذ القصة أن داود عليه الصلاة والسلام احتجب عن رعيته بعبادته الخاصة، بدليل قوله: {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}، مع أن الله تعالى جعله خليفة يحكم بين الناس، والموظَّف لا يشتغل بما يشغله عن وظيفته، فإذا كان الله عز وجل قد كَلَّفَه أن يقوم بهذه المهمة، فلا ينبغي أن يختص الوقت لنفسه، ولهذا جاؤوا ووجدوا المحراب -مكان صلاته- مغلقًا، فتسوَّروا؛ لأنهم أصحاب حاجة.

ثانيًا: أن داود عليه الصلاة والسلام حكم قبل أن يُدْلِيَ الخصم بحجته التي يدافع بها عن نفسه، بمجرد ما قال: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} إلى آخره، قال: {لَقَدْ ظَلَمَكَ}، وهذا يدل على أنه لا يُحكَم لأحد إلا بسماع حجة صاحبه.

ولكن قد يقول القائلون بالحكم على الغائب: إن هذا حاضر، فسماع حجته سهل، بخلاف الغائب، لكن قد ورد في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَقْضِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ» (٣)، وهذا الحديث فيه مقال، لكن بعضهم حَسَّنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>