للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبناءً على هذا القول في تعريف العدل يكون الذي يحلق لحيته ليس بعدل، إذا شهد لا تُقْبَل شهادته؛ لأنه مُصِرٌّ على صغيرة، والذي يشرب الدخان ليس بعدل؛ لأنه مُصِرٌّ على صغيرة، والذي يغتاب الناس -ولو مرة واحدة ولم يتُب- ليس بعدل؛ لأنه فَعَلَ كبيرة.

إذا طبَّقنا هذا التعريف في العدالة على حال الناس اليوم فأظنك لا تكاد تجد إلا واحدًا في المائة، يعني عشرة في الألف! على كل حال، المهم أنه نادر أن يوجد مَن يتصف بالعدالة على هذا التفسير، لكن الذي يُقَلِّد المذهب لا بد أن يمشي على هذا.

من استقام في مروءته، الاستقامة في المروءة ألَّا يفعل ما يُخِلُّ بالمروءة، يعني بالشرف والعادات، فإن فَعَلَ ما يُخِلُّ بذلك فليس بعدل، ولو كان مستقيم الدين، ومثَّلوا له بالذي يأكل في السوق، ويشرب في السوق، ويمشي جاعلًا مِشْلَحَهُ على طرف، يسحب معه طرفًا ومرتفع من طرف آخر، ويُصَلِّع، يُصَلِّع يعني: ما يكون عليه غُتْرَة ولا طاقية، لكن طبعًا في بلد هذا عُرفهم كل هؤلاء مخالِفُون للمروءة، ومنه أيضًا أن يُنَقِّم الفصفص في مجالس ذوي الهيئات والمروءة.

وكل هذا ما دمنا نقول: إنها مخالفة العادات، يتغير ولّا ما يتغير؟ يتغير بحسب العادات، في زمن مضى لا يمكن أن تجد أحدًا معه إبريق شاي يتقهوى بالسوق أبدًا، والآن كثير، يتقهوون في السوق قهوة شاهي وقهوة مُر، وربما يجيبون أيضًا فُطُورًا، ولا يُعَد هذا مخالفًا للمروءة، كان في الزمن السابق ما يمكن تلقى أحدًا يُصَلِّع إطلاقًا، حتى الصغار يشترون لهم طاقية ويلبسونهم إياها، الآن خَفَّ الأمر، يعني الصغار اللي لهم مثلًا عشرون سنة فأقل يمشي في السوق مُصَلِّع ما على باله، الأول ما يمكن، حتى كان الأول لو أن الإنسان يترك لبس الْمِشْلَح وهو كبير لَعَدَّهُ الناس مخالفًا للمروءة، ولكن الآن تغيَّرت الحال.

<<  <  ج: ص:  >  >>