على كل حال لا بد أن تكون القبل والدبر أصليين احترازًا من غير الأصليين، كفرج الخنثى، ودبر في غير موضعه.
قال:(حرامًا محضًا) هذا يأتي -إن شاء الله تعالى- الكلام عليه في الشرط الثاني؛ لأنه هو حقيقة الشرط الثاني.
لكن قال:(من آدمي حي) يعني: أن يكون هذا القُبُل أو الدُّبُر من آدمي، فإن كان من غير آدمي لم يجب حد الزنا، لكن ماذا يجب؟ يجب التعزير بما يراه الإمام، فلو أولج الإنسان في بهيمة عُزِّر وقُتلت البهيمة، تُقتل، على أنها حرام جيفة، فإن كانت البهيمة له، فاتت عليه، وإن كانت لغيره وجب عليه أن يضمنها لصاحبها.
وقيل: إن من أتى بهيمة قتل؛ لحديث ورد في ذلك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ»(١١). وهذا عام، فأخذ به بعض أهل العلم، ولكن الحديث ضعيف، ولهذا عدل أهل العلم لما ضعف الحديث عندهم، عدلوا إلى أخف الأمرين، وهو قتل البهيمة، وأما الآدمي فلا يُقتل؛ لأن حرمته أعظم، ولكن يُعزَّر؛ لأن ذلك معصية.
ما الدليل على أن إتيان البهيمة معصية؟ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٦) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: ٥ - ٧]. أي شيء وراء هذا الأزواج وملك اليمين فيُعتبر عدوانًا وظلمًا.
إذن (من آدمي) احتراز من غير الآدمي، فلا حد فيه، ولكن فيه التعزير وقتل البهيمة؛ للحديث الذي ورد في هذا بالنسبة لقتل البهيمة، أما التعزير فعلى القاعدة العامة؛ أن التعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.