قال المؤلف:(وما عاد فيها جَلَسَتْهُ، والصُّفْرة، والكُدْرة في زمن العادة حيض).
(الصُّفْرة والكُدْرة): هما سائلان يخرجان من المرأة، أحيانًا قبل الحيض، وأحيانًا بعد الحيض.
الصفرة ماء أصفر، والكدرة ماء ممزوج بحُمرة، وأحيانًا يُمْزَج بعروق كالعَلَقة، يعني هو سائل أبيض، لكن فيه شيء من عروق كالعلقة في نفس هذا الأبيض، هذا نسميه كدرة، يعني كالصديد الذي يكون ممتزجًا بمادة بيضاء وبدم، هل هذا عادة؟ يعني هل هذا حيض، أو ليس بحيض؟ العلماء اختلفوا في هذا:
منهم من قال: إنه ليس بحيض مطلقًا؛ لقول أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا (٦)، هكذا أخرجه البخاري. كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا. ما معنى (شيئًا)؟
طالب: الحيض.
الشيخ: يعني حيضًا، ليس معنى (شيئًا): لا يؤثر؛ لأن هذا ينقض الوضوء بلا شك، لكن شيئًا من الحيض، وظاهر كلامها العموم، أنها لا تُعَدُّ مُطلَقًا.
وقال بعض العلماء: بل الصفرة والكدرة حيض مطلقًا، كلما رأت المرأة الصفرة والكدرة فهو حيض؛ لأن هذا خارج من الرحم، ومُنْتِنُ الريح، فحكمه حكم الحيض.
والمؤلف يقول -رحمه الله- بالقول الثالث: إن كان في زمن العادة فهو حيض، وإن كان قبل أو بعد فليس بحيض.
وهذا القول وسط بين القولين؛ لأنه لا يقول: إنه حيض مطلقًا، ولا ليس بحيض مطلقًا.
واستدل أصحاب هذا القول بما رواه أبو داود في نفس حديث أم عطية: كنا لا نعد الصفرة والكدرة بعد الطُّهْر شيئًا. فإن هذا القيد يدل على أنه قبل الطُّهْر حيض.
ووجه هذا من ناحية القياس: أنه إذا كان قبل الطهر فإنه يثبت له أحكام الحيض تبعًا للحيض.
ومن قواعد الفقه المعروفة أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا. فهذا يكون تابعًا للدم، ويكون حيضًا.
أما بعد الطُّهْر فقد انفصل، وليس هو الدم الذي قال الله فيه:{قُلْ هُوَ أَذًى}، فهو كسائر السائلات التي تخرج من فرج المرأة، فلا يكون له حكم الحيض.