والثالث؟ الصبر والمثابرة، وألا تتسلق الشجرة من أعلاها، في عصرنا الحاضر مع الأسف الشديد صار كثير من طلبة العلم الصغار يتسابقون إلى التأليف، أو للتلخيص من كتب العلماء السابقين، أو ما أشبه ذلك، والله أعلم بالنيات، لا نقول في هذا شيئًا، لكن نقول: لا تأكل الطعام حتى ينضج، انتظر، إن كان الله أراد لك سيادة في العلم فستنالها، وإلا فسيكون ما تقدمه قبل نضجه سيكون ضرره عليك وعلى غيرك.
وكم من إنسان يندم أن يكون كتب سابقًا قبل النضج ثم تبين له الخطأ، ولكن الرجوع صعب على النفوس الضعيفة، لا على النفوس القوية التي تقدم ما يرضي الله عز وجل على غيره.
الرابع: أن ينوي بالعلم رفع الجهل عن نفسه؛ لأنك مأمور بإصلاح نفسك، ولا صلاح بدون علم، فتنوي رفع الجهل عن نفسك، فإذا قال قائل: هل الإنسان جاهل؟
فالجواب: نعم جاهل، قال الله تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا}[النحل: ٧٨]، وانظر إلى زيادة العلم، ففي كل جلسة تجلسها عند المعلم تزداد علمًا لم تكن علمته من قبل، فالأصل في الإنسان الجهل، فتنوي بذلك رفع الجهل عن نفسك حتى تعبد الله على بصيرة.
خامسًا: أن تنوي رفع الجهل عن الناس؛ لأن للناس حقًا على العالم أوجبه الله عليه في قوله:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧]، والعامة في حاجة إلى العلماء في التوجيه والإرشاد والدعوة، لكن بالأسلوب الحسن الجذاب المرغِّب دون العنف؛ لأن العنف لا يزيد الشيء إلا شرًّا، قال الإمام أحمد رحمه الله: العلم لا يعدله شيء لمن صحت نيته. قالوا: يا أبا عبد الله، ما تصحيح النية؟ قال: ينوي رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، ليكون إمامًا في دين الله عز وجل.