كذلك إذا جعلها مقبرة، وأذن للناس بالدفن فيها سوَّر أرضه وفتحها، وقال للناس: من أراد أن يدفن في الأرض فليدفن، ولما دُفِن قبر أو قبران رجع، قال: هوَّنْت، الأراضي زادت قيمتها وهي في محل استراتيجي. يا رجل، أنت أذنت للناس بالدفن فيها، ودُفن فيها من دُفن؟ ! قال: أما من دُفِن فلا ننبشه، وأما ما بقي ما الأرض فهي لي، ماذا نقول له؟
الطلبة: ليست له.
الشيخ: نقول: ليست لك؛ لأنك سوَّرتها بسور واحد، وأذِنت للناس في الدفن فيها، ومن المعلوم أن الناس لن يدفنوا فيها جميعًا في يوم واحد، فإذن الأرض خرجتْ عن ملكك وهي وقْف، ولا يمكن أن ترجع فيها. طيب إذا قال: هل أنا وقفتها؟ هاتوا ثبوت أني وقفتها؟ ماذا نقول له؟ نقول: أنت لم تُوقفها باللفظ، ولكن بالفعل الدال عليه.
إذن الوقْف له صيغتان ينعقد بهما: صيغة قولية، وصيغة فعلية، لكن الصيغة الفِعلية لا بد فيها من قرينة ظاهرة تدل على أنه أوقفها، لو أن رجلًا عنده أرض وهي بين شارعين، أرض بين شارعين، فجعل الناس بدلًا من أن يذهبوا مع الشوارع يستطرقون هذه الأرض وهو ساكت، فهل نقول: إن هذا الطريق صار وقْفًا؟
الطلبة: لا.
الشيخ: ليش؟
الطلبة:( ... ).
الشيخ: لأن هذا لا يدل على الوقْف، كثير من الناس إذا لم يكن محتاجًا للأرض يسمح للناس أن يتجاوزوا منها، أليس كذلك؟ ولكن إذا احتاجها حرثها وسدَّ الطريق.
إذن لا بد في الفعل من قرينة ظاهرة تدل على الوقْف، وإنما قلنا ذلك؛ لأن الأصل بقاء مُلك الإنسان فيما يملك، هذا هو الأصل، ولا نُخرجه عن هذا الأصل إلا بقرينة ظاهرة. طيب صار الصيغة الآن للوقْف صيغتان؛ الصيغة الأولى: قولية، والثانية: فعلية.
الصيغة القولية تنقسم إلى قسمين: صريح، وكناية، قال المؤلف:(وصريحه وقَّفت وحبَّسْت وسبَّلْت) فإذا قال: وقَّفْت بيتي على كذا، فهذه صيغة صريحة.