نقول: نحن الآن بين أمرين؛ إما أن يلزمني بأن أنقض البناء، وهذا ضرر عليَّ، أو يلزمني بالأجرة، وهذا أيضًا ضرر عليَّ؛ لأنني لو كنت أعلم أنه يطلب الأجرة لأقمت أعمدة أقيم عليها بنائي، حينئذٍ نقول لهذا الراجع: لا رجوع لك ولا أجر لك، إلى متى؟ قال: حتى يسقط، فلو سقط الجدار فإن هذا الذي بنى على الجدار الأول لا يعيد البناء على الجدار الثاني إلا بإذنه ما لم يحتج إليه، فإن احتاج إليه فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لَا يَمْنَعَنَّ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ عَلَى جِدَارِهِ»(٧).
عُلِمَ من كلام المؤلف هنا أنه لا يجوز الرجوع في العارية إذا تضمن ذلك ضررًا، وهو كذلك، كالجدار الذي أعاره ليبني عليه، وكما لو أعاره سيارة ليذهب بها إلى الرياض، وفي أثناء المسير قال له: خلاص، أنا رجعت في العارية، ما يمكن تكمل المشوار إلا بأجرة.
فنقول: لا أجرة لك؛ لأني الآن ما أتمكن من أن أنزل من السيارة وأستأجر سيارة أخرى، فإن كان يتمكن فللمعير الرجوع.
وكذلك لو أعاره سفينة يذهب بها من جُدَّة إلى مصر، في أثناء البحر قال: هونت، رجعت بالعارية، يمكن ولَّا؟ ما يمكن، لماذا؟ لأن المستعير لا يتمكن من النزول، ولأن هذا يفتح باب شر، يأتي إنسان قد كسدت سيارته أو سفينته، ثم يقول لشخص: أنا أراك محتاجًا إلى السفر عن طريق البحر وهذه سفينتي. فإذا ركبها وصار في لجة البحر قال: رجعت في العاريَّة، فلا بد من ضرب الأجرة عليك. مشكلة هذه.
لهذا نقول: إذا تضمن الرجوع في العارية ضررًا فإنه لا يجوز أن يرجع، ونمثل لهذا بالجدار، وبالسفينة، وبالسيارة.
بالزرع؟ لو أعاره أرضًا ليزرعها ثم زرع، خسر الرجل؛ حرث الأرض وأتى بالماكينة وأخرج الماء وأتى بالصبيان، وفي أثناء ذلك قبل أن ينتهي الزرع قال: رجعت، يلَّا خذ زرعك، هل يُلزِمه بهذا أو لا؟ لا يلزمه، هل له أجرة؟ الصحيح أنه ليس له أجرة؛ لأن إذنه له بالزرع يَستلزم رضاه ببقائه حتى يحصد.