الشيخ: لأنه لا دليل، وهذا مما أوجب لأبي حنيفة وأصحابه -رحمهم الله- أن يقولوا: لا يُسن الغسل من غسل الميت، أو لأننا متفقون على أن المؤمن طاهر حيًّا وميتًا، فإذا كان تغسيل الحي لا يُسنّ له الغسل، فتغسيل الميت من باب أوْلى، وهم لا يرون صحة الحديث؛ لأن ضعف صحة الحديث ( ... ).
يغتسل القول بالوجوب عنده ظاهر؛ لأن الأصل في الأمر الوجوب، وأما من ضعفه فإنه لا يلتفت إليه، ويأخذ بأمر أبي هريرة نفسه محتجًّا بقول الصحابي.
قال:(أو أفاق من جنون، أو إغماء بلا حُلْم) الجنون معروف، وهو زوال العقل، نسأل الله العافية، ومنه الصرع؛ فإن الصرع نوع من الجنون.
أما الإغماء؛ فالإغماء بمعنى التغطية، ومنه الغَيْم الذي يغطي السماء، فالإغماء تغطية العقل، وليس زوال العقل، والإغماء له أسباب متعددة منها: شدة المرض كما جرى ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أغمي عليه، ثم أفاق، فقال:«أَصَلَّى النَّاسُ؟ ». قالوا: لا يا رسول الله، وهم ينتظرونك، فأمر بماء في مخضب -شيء مثل الصحن- فاغتسل عليه الصلاة والسلام؛ فقام لينوء فأُغمي عليه مرة ثانية، فلما أفاق قال:«أَصَلَّى النَّاسُ؟ ». قالوا: لا، وهم ينتظرونك يا رسول الله، فدعا مرة ثانية بالمخضب فيه الماء فاغتسل، ثم قام لينوء فأغمي عليه (٢٦)؛ فهذا دليل على أن الإغماء يُغتسل له، وليس ذلك بواجب لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم المجرد لا يدل على الوجوب، كما سبق لنا ذلك مرارًا، ولكن هل نقول: إن ذلك مشروع تعبدًا، أو نقول: إن ذلك مشروع لتنشيط البدن وتقويته؟