الدليل أن الصحابة -رضي الله عنهم- كانوا إذا توضؤوا من الجنابة مكثوا في المسجد، فكان الواحد منهم ينام في المسجد؛ فإذا احتلم ذهب وتوضأ، ثم عاد فنام، وهذا دليل على أن هذا جائز؛ لأن ما فُعل في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يُنكَر، فهو جائز إن كان من الأفعال غير التعبدية، وإن كان من الأفعال التعبدية فهو دليل على أن الإنسان يؤجر عليه، هذا هو الدليل؛ ولأن الوضوء يخفف الجنابة؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يكون عليه الغسل، أينام وهو جنب؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ»(٢٤). هكذا جاء في الحديث الصحيح، فقوله:«إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ» يدل على أن ذلك يُخفِّف من الجنابة، وهو كذلك من حيث المعنى أيضًا؛ لأن الوضوء أحد الطهورين، وهو لولا الجنابة لكان رافعًا للحدث رفعًا كليًّا فحينئذٍ يكون مخففًا للجنابة.
إذن الذي يحرم على من لزمه الغسل كم؟ خمسة أشياء:
الصلاة، والطواف، والمكث في المسجد، وقراءة القرآن، واللبث في المسجد إلا بوضوء، الخمسة كلها تحرم على من لزمه الغسل ( ... ).
***
ثم قال:(ومن غسَّل ميتًا أو أفاق من جنون، أو إغماء بلا حُلْم سُنَّ له الغُسْل)
في هذا الباب ذكروا -رحمهم الله- ما يوجب الغسل، وما يُسنُّ له الغسل؛ فمنه تغسيل الميت؛ إذا غسل الإنسان ميتًا، فإنه يسن له أن يغتسل، ما هو الدليل؟
الدليل: حديث أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، ومَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ»(٢٥). هذا الدليل، ولكن المسألة فيها خلاف؛ فمنهم من قال: إنه يجب عليه أن يغتسل من غسل ميتًا، وجعلوا تغسيل الميت من مُوجبات الغسل، واستدلوا بهذا الحديث؛ قالوا: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «فَلْيَغْتَسِلْ»، والأصل في الأمر الوجوب.
وقال آخرون عكس هذا، قالوا: من غسَّل ميتًا فلا يُسنّ له الغسل، ولا يجب عليه.