للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونقول أيضًا: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ليعلى بن أُمَيَّة: «اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فِي حَجِّكَ» (٢٣)، وهذا العموم يشمل؛ كل ما يُفعل في الحجِّ يُفعل في العمرة إلا ما قام النصُّ أو الإجماعُ على أنه مستثنى؛ كالوقوف بعرفة، والمبيتِ بمزدلفة أو بِمِنى، ورمْيِ الجمار، هذا مستثنى بالإجماع، وإلَّا فالأصل مشاركة العمرةِ للحجِّ في أفعاله، ويؤيد ذلك -أنَّ هذا هو الأصل- أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سَمَّاها في حديث عمرو بن حزمٍ الذي تلقَّته الأُمَّة بالقبول، سَمَّاها: الحج الأصغر؛ قال: «الْعُمْرَةُ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ» (٢٤)، فسمَّاها حجًّا، وإذا سُمِّيت باسمه فالأصل موافقتُها له في الأحكام إلا ما استُثنِي.

ولكنْ لو أنَّ أحدًا قدمَ مكة وطافَ وسعى وقصَّرَ وانصرفَ، خرج؛ فإنَّ هذا يُجزئه عن طواف الوداع كما ذَكَر ذلك البخاري في صحيحه بأنَّ المعتمِر إذا طافَ وسعى فإنه يكفيه عن طواف الوداع، لا يُقال: إن هذا لم يكنْ آخر عهده بالبيت.

نقول في الجواب: لأن السعي تابعٌ للطواف، ولهذا ذكر الفقهاء أنه لو أخَّر طواف الإفاضة فطافه عند الوداع وسَعَى فإنه يُجزِئه، ولم يعتبروا هذا السعي فاصلًا؛ لأنه يَثْبت في الأتباع ما لا يَثْبت في الاستقلال، ولأن النبي عليه الصلاة والسلام طافَ للوداع في حجَّة الوداع، وبعد أنْ طافَ صلَّى الفجر ثم انصرف؛ لأن الفصل يسيرٌ، وإنْ كانت هذه الصلاة فيما يَظهر ليستْ تابعةً للطواف؛ بمعنى أنَّ الرسول لم يَنْوِ بها أنها عن صلاة الركعتينِ بعد الطواف، فهذا هو الذي نراه.

وعلى كلِّ حالٍ إذا طافَ الإنسانُ فإنه مُثَابٌ على القولينِ جميعًا، لكن إذا تَرَك فهلْ يأثم أو لا؟ ينبني على القول بالوجوب أو عَدَمه؛ إنْ قُلنا بالوجوب فهو آثِمٌ، وإلَّا فليس بآثِم.

ثم قال المؤلف رحمه الله: (فمَنْ تَرَكَ الإحرامَ لَمْ ينعقِدْ نُسُكُهُ).

<<  <  ج: ص:  >  >>