فإن قال قائل: لماذا لا تجعلون هذا من جنس الحصْرِ، والحصْرُ عن الواجب فيه دمٌ كما قاله الفقهاء؟
قلنا: لأن المكان هنا ممتلئٌ، فلا مكانَ أصلًا، أمَّا الحصْرُ فالمكانُ باقٍ لكنْ يُمنع منه، أمَّا هُنا فلا مكانَ، وهو مِثْل قطعِ اليدِ، يسقطُ غسلُها في الوضوء أو تُغسَل العضدُ بدلَ الذراع؟ أجيبوا.
طلبة: يسقط.
الشيخ: يسقط، فلهذا نرى أنه يسقط المبيتُ في هذه الحال، وأنَّ الإنسان يجب أن يكون عند آخِر خيمةٍ.
أمَّا فِعْل بعض الناس؛ كَوْنه إذا لم يجد مكانًا في مِنى ذهبَ إلى مكة أو إلى الطائف أو ما أشبه ذلك وقال: ما دام سقطَ أو لم نجدْ مكانًا في مِنى فلْنَبِتْ حيث شِئنا. فإنَّ هذا ليس بصحيح، هذا غير صحيح؛ لأننا نقول: إنَّ المسجد إذا امتلأ وجبَ اتصال الصفوفِ، وجبَ أنْ يكون الناس صفوفًا متَّصلة، ولا تصِحُّ الصلاةُ من بعيدٍ، فهذا كذلك، نقول: يجب عليك أن تكون عند آخِر خيمةٍ في مِنى.
وإذا سألَنا سائلٌ: هل يجب أنْ أكون عند آخِر خيمةٍ في الجهة البُعدى من مكة أو في أي جهة؟
الجواب: في أيِّ جهةٍ، وعلى هذا فيصِحُّ أن تكون في الجهة التي تلي مكة من وراء جمرة العقبة، ولا حرجَ عليه ما دامت الخيام متَّصلة.
وقول المؤلف:(إلى بعد نصفِ الليل) هذا منتهى وجوب المبيت على المشهور من المذهب؛ (إلى بعد نصفِ الليل)، فإذا انتصفَ الليلُ في مزدلفة انتهى الوجوب فلَكَ أن تدفع، ولا فرقَ بين العاجز والقادر، فمنتهى الواجبِ انتصافُ الليل مِن متى؟ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، أو إلى طلوع الشمس؟ أيُّهما أحوط؟
طالب: الفجر.
طالب آخر: الشمس.
الشيخ: الأحوط الشمس؛ لأنه أطول، أليس كذلك؟ يزيد ساعة ونصف تقريبًا، فنقول: انتظِر زيادة ساعة إلا ربع على انتصاف الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فالأحوط إذَن اعتباره بطلوع الشمس، وبعد ذلك لك الدفع.