ولكن لما كان النبي عليه الصلاة والسلام قال:«افْعَلْ، وَلَا حَرَجَ»، وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله:«لَا حَرَجَ»؛ عُلم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل، وبين الذاكر والعالم.
وهذا كما أنه ظاهر الأدلة؛ فهو الموافق للدين الإسلامي في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر على الناس.
بقي السعي قبل الطواف، فإن من العلماء من أنكر هذا، وقال: لا يمكن السعي قبل الطواف؛ لأن الله قال:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج: ٢٩]، فالطواف لا يمكن أن يتقدمه السعي.
فمنهم من طعن في صحة الرواية: سعيتُ قبل أن أطوف (١٣).
ومنهم من قال: المراد بذلك سعي الحج لمن كان قارنًا أو مُفرِدًا، فأما الأول فالحديث صحيح، ولا مطعن فيه، وأما الثاني: فإن هذا الرجل لم يسأل عن سعي سبق منذ أيام، إنما سأل عن سعي حصل في ذلك اليوم، ولا يصح أن نقول: إن هذا السعي الذي كان بعد طواف القدوم؛ لأن ظاهر حال السائل لا تقتضي هذا.
وسبق لنا أنه يحصل التحلل الأول إذا رمى وحلق أو قصَّر، وأن النحر لا علاقة له بالتحلل، ولكن الفقهاء -رحمهم الله- توسعوا وقالوا: يحصل التحلل الأول بفعل اثنين من ثلاثة، وهي: الرمي، والحلق، والطواف، قالوا: إذا رمى وطاف حل التحلل الأول، إذا حلق وطاف حل التحلل الأول، إذا رمى وحلق حل التحلل الأول.
المهم إذا فعل اثنين من ثلاثة، والسنة إنما جاءت بالرمي وحده، أو بالرمي والحلق، ولكنهم قالوا: إذا كان الطواف مُؤثرًا في التحلل الثاني فإنه يكون مُؤثرًا في التحلل الأول، وذلك أن الإنسان إذا رمى وحلق وطاف: حل التحلل الثاني، فإن كان مُتمتعًا فيحل التحلل الثاني بعد السعي، وإن كان قارِنًا أو مُفرِدًا، ولم يكن سعى مع طواف القدوم فكذلك، فلهذا ألحقوا الطواف بالرمي والحلْق، وقالوا: إذا فعل اثنين من ثلاثة. وسبق لنا أن القول الراجح أن الحلْق والتقصير إطلاق من محظور.