وقيل: وطئًا، ومباشرةً، لا عقدًا وخطبةً، وأنه يجوز العقد وتجوز الخطبة بعد التحلل الأول.
فعلى المذهب، لو أن أحدًا من الناس رمى، ونحر، وحلق، ثم تزوج قبل أن يطوف بالبيت، فالنكاح مُحرم وغير صحيح.
وهذا ربما يقع في غير هذه الصورة التي ذكرت، ربما يطوف الإنسان طواف الإفاضة على وجه لا يُجزئه، ثم يرجع إلى بلده ويتزوج في هذه المدة قبل أن يُصحِّح خطأه في الطواف، فعلى المذهب يكون النكاح غير صحيح، وتلزمه إعادة العقد.
وعلى القول الثاني -وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهو الصحيح- يجوز عقد النكاح بعد التحلل الأول ويصح.
وقوله رحمه الله:(ثم قد حل له كل شيء) ظاهره أنه لا يحل بمجرد الرمي، وهذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه يحل بالرمي؛ أي: رمي جمرة العقبة، سواء حلق أم لم يحلق.
واستدلوا لذلك بأن الإنسان يقطع التلبية إذا شرع في الرمي، وهذا يعني أن نُسكه انتهى، وبأنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام تعليق الحل بالرمي فقط.
ولكن الذي يظهر لي أنه لا يمكن أن يحل إلا بعد الرمي والحلق؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كنتُ أُطيِّب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يُحرِم، ولِحِلِّه قبل أن يطوف بالبيت (٨).
ولو كان يحل بالرمي لقالت: ولحله قبل أن يحلق، فهي -رضي الله عنها- جعلت الحل ما بين الطواف والذي قبله، والذي سبقه هو الرمي والنحر والحلق، لا سيما وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ»(٩). فالصواب أنه لا يحل التحلل الأول إلا بالرمي والحلق.
يقول رحمه الله:(والحلاق والتقصير نسك) يعني أن الحلق والتقصير نُسك، وإنما نص على هذا دفعًا لقول من يقول: إنه إطلاق من محظور، وليس بنسك.