للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا فيما إذا كان الإنسان بعيدًا واضحًا، لكن إذا كان قريبًا ويمكن يقول: هكذا، هكذا، فلا حاجة، المقصود هو الرمي، فالإنسان البعيد يحتاج إلى رفع يده حتى يصل إلى المراد.

وقول المؤلف: (فرماها بسبع حصيات) (رماها): قد يُفهم من هذا الكلام أنه لا بد أن يرمي الشاخص -العمود القائم- ولكنه غير مراد، المقصود أن تقع في الحوض، سواء ضربت العمود أم لم تضربه.

(ويُكبِّر مع كل حصاة)، كلما رمى قال: الله أكبر، مع كل حصاة، وبهذا نعرف الحكمة من الرمي؛ من رمي الجمرات، الحكمة هو تعظيم الله عز وجل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَرَمْي الْجِمَارِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ» (١)، فالحكمة إقامة ذكر الله، وتعظيم الله عز وجل، وتمام التعبد؛ لأن كون الإنسان يأخذ حصى ويضرب به هذا المكان يدل على تمام انقياده، إذ إن النفوس قد لا تنقاد للشيء إلا بعد أن تعرف المعنى الذي من أجله شُرع، لكن كونك تأتي وترمي هذه الحصيات في هذا المكان يدل على تمام الذل والتعبد لله عز وجل.

وأما ما يُذكر أن الرمي هنا إغاظة للشيطان، فإن هذا لا أصل له صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل النبي عليه الصلاة والسلام بيَّن أن الحكمة هو إقامة ذكر الله عز وجل.

وعلى المفهوم الذي ذكرنا أنه من أجل الشيطان صار بعضُ العامة إذا أقبل على الجمرة يُقبل بانفعال شديد، وغضب شديد، مُحمر العينين، مُنتفش الشعر، يخبط كأنه جمل هادر، وكيف يضرب؟ يدور أكبر حصاة حصل ويضرب بها هذا المكان، وربما يضرب هذا المكان بالنعال، والخشب، وما أشبه ذلك.

ولقد رأيتُ بعيني قبل أن تُبنى هذه الجسور رأيتُ رجلًا وامرأته جالسين على الحصى -الحصى المتجمع من رمي الناس- يضربان العمود، والحصى تُصيبهما، ولا يتأثران، لا يتحركان، فأقول في نفسي:

هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>