ولهذا اختلف العلماء رحمهم الله في القدر الذي تجب فيه الفدية وفي مقدار ما يكون دون ذلك، فقال بعضهم: إذا حلق أربع شعرات فعليه دم، وقال آخرون: إذا حلق خمس شعرات فعليه دم، وقال آخرون: إذا حلق ربع الرأس فعليه دم، وقال آخرون: إذا حلق ما به إماطة الأذى فعليه دم، فالأقوال كم؟
طلبة: خمسة.
الشيخ: ثلاثة، وأربعة، وخمسة، وربع الرأس.
طالب: وما يماط به الأذى.
الشيخ: وما يماط به الأذى، أقرب الأقوال إلى ظاهر القرآن القول الأخير، وهو مذهب مالك؛ أنه ليس عليه دم إلا إذا حلق ما يماط به الأذى؛ أي حلقًا يكاد يكون كاملًا؛ لأنه هو الذي يماط به الأذى، وهو الذي قال الله تعالى في القرآن في شأنه:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ}[البقرة: ١٩٦]، وهو لا يحلق إذا كان به أذًى من رأسه إلا ما يماط به الأذى فعليه فدية، وهذا القول أصلح الأقوال، ويدل له أنه الموافق لظاهر القرآن، هذا دليل.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم في رأسه (٨)، والحجامة في الرأس من ضرورتها أن يحلق الشعر لمكان المحاجم، ولا يمكن سوى ذلك، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه افتدى، لماذا؟ لأن الشعر الذي يزال من أجل المحاجم لا يماط به الأذى قليل بالنسبة لبقية الشعر.