وكذلك في المواقيت المكانية، القول الثاني في المسألة أنه يُكره أن يُحرم قبل الميقات، ولكن لو أحرم انعقد إحرامه؛ صح إحرامه وانعقد، فمثلًا: لو أحرم الإنسان من أهل المدينة من المدينة نفسها؟ قلنا: هذا مكروه، لا تتعدى ما حدَّ الله ورسوله، أحرم من ذي الحليفة، ولكن هل ينعقد الإحرام؟ نعم عند الجمهور ينعقد؛ ينعقد ولكنه مكروه.
والمراد بالإحرام: النية دون الاغتسال ولُبس الثياب؛ ثياب الإحرام، وأكثر العامة يحملون معنى الإحرام على أيش؟ على لبس الإحرام، وليس كذلك، الإحرام سيأتينا -إن شاء الله- في الباب الذي يليه أنه نية الدخول في النسك.
وعلى هذا فمن كان في المدينة وتغسَّل ولبس ثياب الإحرام ولم يحرم إلا بذي الحليفة، فإنه لم يفعل مكروهًا، ليش؟ لأن الإحرام هو نية الدخول في النسك، ولم تحصل منه إلا في الميقات.
فإن قال قائل: ما تقولون في شخص لم يمر بشيء من المواقيت، أيحرم من بلده ولو كان بعيدًا؟ لأنه لن يمر بالميقات، فما الجواب؟
نقول: إن أهل الكوفة وأهل البصرة شكوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقّت لأهل نجد قرن المنازل، وإنها جور عن طريقنا -جورٌ يعني مائلة بعيدة عن طريقنا- فقال رضي الله عنه: انظروا إلى حذوها من طريقكم (١١).
فنقول لهذا الذي لا يمر بالميقات: أحرم إذا حاذيت الميقات، وهذا إذا كان يسيرُ على الأرض واضح، كما قال عمر رضي الله عنه، لكن إذا كان يسير في الجو فإذا حاذاها جوًّا أحرم، كالذي في الطائرة. وقد نص شيخ الإسلام رحمه الله على أنه لا يجوز لمن كان في الطائرة أن يحرم أو أن يؤخر الإحرام حتى ينزل، قال: يجب أن يحرم في الطائرة إذا حاذى الميقات.