للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيل: إنه لا يكون فرضًا إلا من حين العتق، وعلى هذا فتكون هذه العبادة أولها نفل، وآخرها فرض، وهذا ليس بغريب في الحج؛ لأن الحج يخالف غيره في مسألة النية في أمور متعددة، كما سيأتي أن الإنسان إذا قدم إلى مكة وهو مفرد أو قارن فطاف وسعى، فإنه سيطوف للقدوم، وطواف القدوم سنة، وسيسعى للحج، فله بعد ذلك أن يقلب هذه النية إلى عمرة ليصير متمتعًا، فتجدون الآن الطواف الذي كان سنة بالأول صار الآن واجبًا، بل ركنًا، والذي كان قُدُومًا صار الآن للعمرة، والسعي الذي كان للحج صار الآن للعمرة، فالحج له أشياء يخالف غيره.

إذا زال الرق بعرفة صار حجه فرضًا، إذا زال الجنون بعرفة صار حجه فرضًا.

فإذا قال قائل: كيف يتصور أن يزول الجنون بعرفة؟ وهل المجنون يصح منه عقد الإحرام؟

فالجواب على هذا أن نقول: من أهل العلم من قال: إن المجنون يجوز أن يحرم عنه وليه، كما يحرم عن الصغير، فالصغير ليس له تمييز، والمجنون ليس له عقل، فإذا جاز أن يحرم عن صبيه الذي ليس له تمييز، فيجوز أن يحرم عن المجنون، وبناءً على هذا القول لا إشكال؛ لماذا؟ لأنه سيحرم عنه وليُّه وهو مجنون، ويبقى محرمًا، فإذا عقل في عرفة صحَّ أن نقول: إنه زال جنونه بعرفة، وهو محرم.

أو نقول: إذا قلنا: إن المجنون لا يصح إحرامه بنفسه ولا بوليِّه، فإنه يحمل كلام المؤلف على ما إذا طرأ عليه الجنون بعد الإحرام؛ يعني: يكون أحرم عاقلًا، ثم جُن، ثم زال جنونه في عرفة.

ويشكل على هذا إشكال آخر، وهو أنه أَلَا يبطل الإحرام بالجنون؟

نقول: لا يبطل الإحرام بالجنون، بل يبقى على إحرامه، ثم إن زال جنونه في عرفة أتمه، وإن زال بعد عرفة فإنه يكون قد فاته الحج ويتمه عمرة، وإن بقي على جنونه فإنه يكون كالمُحصر؛ أي: أنه يتحلَّل، ويذبح هديًا إن تيسر.

و(زال الصبا بالحج بعرفة) الصبا؛ يعني: الصغر، وذلك بأن يبلغ في عرفة، وهل يمكن أن يبلغ في عرفة؟

طالب: نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>