للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقول: استدلالُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما بهذه الآية استدلالٌ عميقٌ جدًّا، وَجْهُهُ أنَّ الله قال: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، فجعلَ الفِديةَ معادِلةً للصوم، وهذا في أول الأمر لَمَّا كان الناسُ مُخَيَّرينَ بين الصومِ والفديةِ، فلمَّا تعذَّرَ أحدُ البَدَلينِ ثبتَ الآخَرُ؛ لَمَّا تعذَّر الصومُ ثبتت الفديةُ، فهو استدلالٌ يدلُّ على عُمْقِ فَهْمِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، وإلَّا فإنَّ مَنْ أخذَ بظاهرِ الآيةِ يقول: الآيةُ ما تدلُّ على هذا، الآيةُ تدلُّ على أنَّ الذي يُطيق إمَّا أنْ يفدي وإمَّا أنْ يصوم، والصومُ خيرٌ. لكنْ نقول: وجْهُ ذلك أنه لَمَّا جعلَ اللَّهُ سبحانه وتعالى الفديةَ عديلًا للصوم في مقامِ التخييرِ دلَّ ذلك على أنها تكون بَدَلًا عنه عند العجزِ عنه، وهذا واضح. وعلى هذا فمَنْ أفطر لكِبَرٍ أو مرضٍ لا يُرجَى بُرْؤُه فإنه يُطعِم عن كلِّ يومٍ مسكينًا.

ولكنْ ما الذي يُطْعَم؟

يُطْعَمُ كلُّ ما يُسمَّى طعامًا مِن تمرٍ أو بُرٍّ أو رُزٍّ أو غيرِه.

وكمْ؟

نقول: هنا لم يُقَدَّر ما يُعْطَى، المعطَى غيرُ مقدَّرٍ، فيُرجَع فيه إلى العُرف، إلى ما يَحْصُل به الإطعامُ، وكان أنس بن مالكٍ رضي الله عنه لَمَّا كَبِرَ كان يجمع ثلاثينَ فقيرًا فيُطعمهم خبزًا وأُدْمًا، وعلى هذا فإذا غَدَّى المساكينَ أو عَشَّاهم كفى، فإذا جمعَ ثلاثينَ فقيرًا في آخِرِ يومٍ من رمضان وعشَّاهم كفاه عن الفدية.

وقال بعضُ العلماء: لا يصحُّ الإطعامُ، بلْ لا بدَّ من التمليك. وعليه فقالوا: إنَّ الواجب مُدٌّ من البُرِّ أو نصفُ صاعٍ مِن غيره. وقيل: بل الواجب نصفُ صاعٍ من أيِّ طعامٍ كان.

فالذين قالوا بالأول قالوا: إن مُدَّ البُرِّ يُساوي نصفَ صاعٍ من الشعير؛ لأنه أطيبُ وأغلى في نفوسِ الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>