للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من لا يعد ترك عيادته عقوقًا أو قطيعة فإن المؤلف يقول: إنه سنة، ولكن الصحيح أنه واجب على الأقل، واجب كفائي، يعني يجب على المسلمين أن يعودوا مرضاهم؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعلها من حق المسلم على المسلم، وليس من محاسن الإسلام أن يمرض الواحد منا ولا يعوده أحد، وكأنه مرِض في برية، فالصواب الذي تقتضيه النصوص أنه واجب ولكنه واجب كفائي، فلو علمنا أن هذا الرجل لا يعوده أحد فإنه يجب على من علم بحاله وقدر أن يعوده.

عيادةُ المريض مع كونها من أداء الحقوق على المسلم لأخيه ففيها جلب مودة وألفة لا يتصورها إلا من مرض ثم عاده إخوانه، فإنه يجد من المحبة لهؤلاء الذين عادوه شيئًا كثيرًا، تجده يتذوقها، ويتحدث بها كثيرًا، ففيها مع الأجر فيها أنها تثبت الألفة بين المسلمين.

قال المؤلف: (تسنّ عيادة المريض) لم يبيِّن المؤلف في أي وقت يعود المريض، ولم يبيّن هل يتحدث عنده ويتأخر في المقام، أو لا يتحدث ويعجل في الانصراف.

نقول: عدم ذكر ذلك أحسن؛ ففي الزمن نقول: ينظر إلى الزمن المناسب، قد يكون في الصباح أنسب، وقد يكون في المساء أنسب، وقد يكون في الضحى أنسب، حسب ما تقتضيه حال المريض ومصلحته، ولا نقيدها بأنها بكرة أو عشيًّا كما قيده بعض العلماء، بل نقول: هذه ترجع إلى أحوال الناس، وهي تختلف بحسب حال المريض، فإذا قدرنا أن المريض قد جعل له وقتًا يجلس فيه للناس فليس من المناسب أن نعوده في غير هذا الوقت؛ لأن تخصيصه لزمن يعوده فيه الناس يدل على أنه لا يرغب في غير هذا، وإلا لجعل الباب مفتوحًا.

المسألة الثانية قلنا: هل يتأخر عند المريض ويتحدث إليه، أو يعوده ثم ينصرف بسرعة؟ هذا أيضًا ينبغي ألا يقيد، وإن كان بعض العلماء يقول: الأفضل ألا تتأخر وأن تبادر بالانصراف؛ لأن المريض قد يثقل عليه ذلك، وكذلك أهل المريض ربما يثقل عليهم بقاؤك عنده؛ لأنهم يحبون أن يأتوا إلى مريضهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>