و (الاستسقاء) استفعال من (سقى)، وهو طلب السُّقيا، سواء كان من الله، أو من المخلوق، فمن الممكن أن تقول لفلان: أسقني ماء، فيسمَّى هذا استسقاء؛ أي طلب سُقيا، ومن الله -عز وجل- تسأل الله أن يغيثك، هذا طلب سُقيا أيضًا، لكن في عُرف الفقهاء إذا قالوا: صلاة الاستسقاء؛ فإنما يعنون بها استسقاء الرب عز وجل لا استسقاء المخلوق.
صلاة الاستسقاء لها سبب بَيَّنه بقوله:(إذا أجدبت الأرض وقحط المطر صلوها جماعةً وفرادى).
(إذا أجدبت الأرض) أي: خلت من النبات، وضده الإخصاب، إذا أخصبت أي: ظهر نباتها وكثر.
(قحط المطر) أي: امتنع ولم ينزل، ولا شك أنه يكون في ذلك ضرر عظيم على أصحاب المواشي، وعلى الآدميين أيضًا؛ فلهذا صارت صلاة الاستسقاء في هذه الحال سُنَّة مؤكدة.
والاستسقاء الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ورد على أوجه متعددة منها: أنه دخل رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادعُ الله أن يُغيثنا، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، ورفع الناس أيديهم، وقال:«اللَّهُمَّ أَغِثْنَا». ثلاث مرات، وكانت السماء صحوًا، فأنشأ الله سحابة فرعدت وبرقت وأمطرت، ولم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته (١٨).
مرة ثانية: كان في غزوة ونقص عليهم الماء، فاستغاث الله عز وجل، فأنشأ الله المزن فأمطرت، وسقاهم، ورووا (١٩).
ومرة ثالثة: دعا الله سبحانه وتعالى بأن يسقيهم، فقام أبو لبابة رضي الله عنه -وكان فلاحًا- فقال: يا رسول الله، إن التمر في البيادر (٢٠)، تعرفون البيادر؟ البيادر ما يُجمع فيه التمر لييبس، وكانوا إذا جذُّوا النخل يضعونه في مكان معد لهذا حتى ييبس، ثم يُدخلونه في البيوت، يسمى (بيدر)، ويسمى (الجرين) أيضًا.