ولكلٍّ حجة فيما ذهب إليه؛ أما الأول فقالوا: إن الحجة لنا أولًا: قول الله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ}[النساء: ١٣٥]، ومعلوم أن الشاهد لا يُشْتَرط منه تكرار الشهادة، لو جئت تشهد لإنسان هل نحتاج نقول: اشهد، فإذا شهدت قلنا: اشهد ثانية، اشهد ثالثة، اشهد رابعة، اشهد خامسة؟ لا، فالآية الكريمة تدل على أنه إذا ثبتت الشهادة مرة واحدة ثبت الحكم.
الدليل الثاني من السنة قصة العسيف -وأظنكم قد مرت عليكم- قال النبي عليه الصلاة والسلام لِأُنَيْسٍ:«اغْدُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»(١١)، ولم يقل: إن اعترفت أربع مرات أو ثلاث أو اثنتين، والإطلاق يحصل بواحدة، فهذا الحديث يدل على أنه لا يُشْتَرط التكرار.
أيضًا من المعنى لأن التكرار لا فائدة منه في الواقع؛ إذ إن الحكم يثبت أو أن الفعل يثبت بواحدة، الإنسان إذا قال: أنا -مثلًا- عندي لفلان مئة درهم، فما معنى التكرار؟ يقول: عندي مئة درهم، عندي مئة درهم، الحكم ثبت بواحدة، صحيح أنه كلما تكرر صار أثبت، لكنه -مطلق الثبوت- حاصل بالواحدة.
وأما الذين قالوا: إنه لا بد من الإقرار به أربع مرات، قالوا: لأن الله سبحانه وتعالى جعل شهادة الزنا أربعة شهود، ومعلوم أن الشهود إذا شهد واحد، وجاء الثاني وشهد، وجاء الثالث وشهد، وجاء الرابع وشهد، فهذا تكرارُ شهادةٍ في الواقع، فكما أن شهادة الغير يُشْتَرط فيها التكرار باعتبار تعدد المحل الشاهد؛ يعني: لأنه يلزم من تعدد الشهداء إذا كانوا أربعة أن تتعدد الشهادة، كذلك الشهادة على النفس -وهي الإقرار- لا بد أن تتعدد.