لقد ذكر في مقدمة الكتاب أنه انتقى أحاديثه من الكتب الستة، وهذا الحديث يصلح شاهدًا على أن الانتقاء لم يكن من الكتب الستة مباشرة، وإنما انتقى بعضها منها، والبعض الآخر من الكتب الأخرى التي تنقل من الكتب الستة وغيرها، وإلا فكيف نستطيع أن نقنع أنفسنا بأن المصنف نقلها كلها من الكتب الستة مباشرة، وهذا الحديث بلفظه الأول لا أصل له في شيء منها!
ومما يؤيد ما ذكرت، أن اللفظ الثاني نفسه مغاير في سياقه لسياقه في الترمذي كما سبقت الإشارة إليه، فهو فيه بلفظ:
«والسواك والنكاح».
ولفظ المصنف بتقديم النكاح على السواك!
وأيضًا، فقد ذكر (ص ١٩) حديث «ما من ثلاثة في قرية، لا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية». أخرجه أبو داود والنسائي.
قلت: وهذا السياق يخالف ما عندهما في موضعين:
الأول: أنهما زادا بعد قوله: «قرية»: «ولا بدو».
والآخر: أنه ليس عندهما «من الغنم» وإنما هي عند الحاكم.
فلو أن المصنف نقل هذا الحديث من «أبي داود والنسائي» مباشرة لذكره بنصهما كما تقتضيه الأمانة العلمية، دون زيادة أو نقص، فإن زاد فيه زيادة ما من مصدر آخر نبه عليه كما هي طريقة أهل العلم.
وسيأتي معنا أمثلة أخرى تؤكد أن النقل لم يكن من "الستة" مباشرة، فانتظر.