و(قوله: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه)، هذا من حسان مدح لنفسه، شبَّه نفسه بالأسد إذا غضب فحمي، وذلك أنه غضب لهجو قريش للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واحتد لذلك، واستحضر في ذهنه هجو قريش فتصوره وأحس أنه قد أعين على ذلك ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تلك الكلمات مظهرًا لنعمة الله تعالى عليه، وأنه قد أجيب فيه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وليفخر بمعونة الله تعالى له على ذلك. وتنزل هذا الافتخار في هذا الموطن منزلة افتخار الأبطال في حال القتال، فإنَّهم يمدحون أنفسهم ويذكرون مآثرهم ومناقبهم في تلك الحال نظمًا ونثرًا، وذلك يدلّ على ثبوت الجأش وشجاعة النفس وقوة العقل والصَّبر وإظهار كل ذلك للعدو وإغلاظ عليهم وإرهاب لهم، وكل هذا الافتخار يوصل إلى رضا الغفار، فلا عتب ولا إنكار.
و(قوله: ثم أدلع لسانه)؛ أي أخرجه وحرَّكه، كأنه كان (١) يعدُّه للإنشاد.
و(قوله: والذي بعثك بالحق لأفرينَّهم بلساني فَريَ الأديم)؛ أي: لأمزقنهم بالهجو كما يمزق الجلد بعد الدِّباغ، فإنَّه يقطع خفافًا ونعالًا وغير ذلك، وتشبيه حسان نفسه بالأسد الضارب بذنبه بحضرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه رضي الله عنهم وإقرار الكل عليه دليل على بطلان قول من نسب حسَّان إلى الجبن، ويتأيد هذا بأن حسان لم يزل يُهاجي قريشا وغيرهم من خيار العرب ويهاجونه