للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[١٦٩٨] وعَن أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

ــ

بالناس أو لم يضر - إذا اشتري في أسواقهم، كما قاله ابن حبيب أخذًا بعموم الخبر أو بإطلاقه؟ أو: إنما يمنعون من ادِّخار ما يضر بالناس ادِّخاره عند الحاجة إليه من الأقوات؟ وهو قول أبي حنيفة والشافعي، وهو مشهور مذهب مالك. وحملوا النهي على ذلك.

قلت: وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى. لأن ما لا يضر بالناس شراؤه، واحتكاره لا يخطأ مشتريه بالاتفاق. ثم إذا اشتراه وصار ملكه فله أن يحتكره، أو لا يحتكره. ثم قد يكون احتكاره لذلك مصلحة ينتفع بها في وقت آخر. فلعل ذلك الشيء ينعدم، أو يقل، فتدعو الحاجة إليه، فيوجد، فترتفع المضرة، والحاجة بوجوده، فيكون احتكاره مصلحة، وترك احتكاره مفسدة. وأما الذي ينبغي أن يمنع ما يكون احتكاره مضرة بالمسلمين. وأشدُّ ذلك في الأقوات لعموم الحاجة، ودعاء الضرورة إليها؛ إذ لا يتصور الاستغناء عنها، ولا يتنزل غيرها منزلتها. فإن أبيح للمحتكرين شراؤها ارتفعت أسعارها، وعز وجودها، وشحت النفوس بها، وحرصت على تحصيلها، فظهرت الفاقات، والشدائد، وعمت المضار، والمفاسد، فحينئذ يظهر: أن الاحتكار من الذنوب الكبار. وكل هذا فيمن اشترى من الأسواق. فأمَّا من جلب طعامًا؛ فإن شاء باع، وإن شاء احتكر، ولا يعرض له إلا إن نزلت حاجة فادحة، وأمر ضروري بالمسلمين، فيجب على من كان عنده ذلك أن يبيعه بسعر وقته، فإن لم يفعل جبر على ذلك، إحياء للمهج، وإبقاء للرَّمق. وأما إن كان اشتراه من الأسواق، واحتكره، وأضر بالناس؛ فيشترك فيه الناس بالسعر الذي اشتراه به.

و(قول يحيى بن سعيدٍ لسعيد: إنك تحتكر) يدل على أنهم كانوا لا يتسامحون في ترك العمل بما يروُونه من الحديث. وجواب سعيد أن معمرًا كان

<<  <  ج: ص:  >  >>