وحديث ابن عمر هذا، وروايته عن بلال يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في البيت الصلاة المعهودة الشرعية. وبهذا أخذ الشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، وجماعة من السلف، وبعض الظاهرية فقالوا: يُصلَّى في الكعبة التطوع والفرض. وقد خالف بلالًا أسامة، فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يصل في الكعبة، وإنما دعا فيها. وبهذا أخذ ابن عباس، وبعض الظاهرية؛ فلم يجيزوا فيها فرضًا ولا تطوُّعًا. وقال مالك: لا يُصلَّى فيها الفروض ولا السنن، ويُصلَّى فيها التطوع، غير أنه إن صلَّى فيها الفرض أعاد في الوقت. وقال أصبغ: يعيد أبدًا.
ويمكن أن يجمع بين حديث أسامة وبلال على مقتضى مذهب مالك. فيقال: إن قول بلال: أنه صلى فيها؛ يعني به: التطوع. وقول أسامة: إنه لم يصل فيها؛ يعني به: الفرض. وقد جمع بينهما بعض أئمتنا بوجهٍ آخر فقال: إن أسامة تغيَّب في الحين الذي صلَّى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم يشاهده، فاستصحب النفي لسرعة رجعته، فأخبر عنه، وشاهد ذلك بلال فأخبر عما شاهد. وعضد هذا بما رواه ابن المنذر عن أسامة قال: رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - صورًا في الكعبة، فكنت آتيه بماء في الدَّلو يضرب به تلك الصور. فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - صلَّى في حالة مضي أسامة في طلب الماء، والله تعالى أعلم.
وعلى الجملة: فحديث من أثبت أولى أن يؤخذ به؛ لأنه أخبر عن مشاهدة، فكان أولى من النَّافي.
وفي هذا الحديث ما يدلُّ: على أن سدانة البيت ولاية باقية لعثمان بن طلحة