قال أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي -رحمة الله عليه-:
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلَقه وبدأ خلقَ الإنسان من طين، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، وفضَّله على سائر الحيوان، بما آتاه من حاسة العقل وبيان اللسان، ثم جبل كل أمة من الأمم على لغة أنطقهم بها، ويسرهم لها، وجعل اللسان العربيَّ أعذب الألسنة مخرجًا، وأعدلها منهجًا، وأوضحها بيانًا، وأوسعها افتنانًا، وجعل الإعراب حَلْيًا للسان، وزمامًا وفصلًا لما اختُلف فيه من معانيه.
ولم تزل العرب تنطق على سجيَّتها في صدر إسلامها وماضي جاهليتها؛ حتى أظهر الله الإسلام على سائر الأديان، فدخل الناس فيه أفواجًا، وأقبلوا إليه أرسالًا، واجتمعت فيه الألسنة المتفرقة، واللغات المختلفة، ففشا الفساد في اللغة والعربية، واستبان منه في الإعراب الذي هو حَلْيها، والموضِّح لمعانيها؛ فتفطَّن لذلك مَن نافر بطباعه سوء أفهام الناطقين من دخلاء الأمم بغير المتعارَف من كلام العرب، فعظم الإشفاق من فُشُوِّ ذلك وغلَبته؛ حتى دعاهم الحذرُ من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم، إلى أن سبَّبوا الأسباب في تقييدها لمن ضاعت عليه، وتثقيفها لمن زاغت عنه.
فكان أولَ مَن أصَّل ذلك وأعمل فكره فيه، أبو الأسود ظالم بن عمرو الدُّؤليُّ، ونصر بن عاصم، وعبد الرحمن بن هُرْمز. فوضعوا للنحو أبوابًا، وأصَّلوا له أصولًا؛ فذكروا عوامل الرَّفْع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل