بشرطين: أولهما: أن يكون هذا الحفر في طريق واسع. ثانيهما: أن لا يوجد ضرر في ذلك الحفر، فإن كان هذا الحفر بطريق ضيق، أو فيه ضرر على جماعة من المسلمين: فيضمن ما تلف فيها؛ للقياس؛ بيانه: كما أن باسط الفرش، والحصير، وواضع المياه في المساجد لا يضمن ما تلف بسببها، فكذلك الحال هنا، والجامع: أن كلًّا منهم محسن بفعله غير متعدٍّ على حق غيره، فإن قلتَ: لِمَ شُرع هذا؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك تدعو الحاجة إليه، فلو ضمن ما تلف بسببها لامتنع الصالحون من وضعها لنفع المسلمين، فإن قلتَ: إن حفرها، أو بنى شيئًا بإذن الإمام أو نائبه: فلا يضمن ما تلف بها، وإن كان بغير إذنهما: فإنه يضمن؛ وهي رواية عن الإمام أحمد، وهو رأي كثير من العلماء؛ للتلازم؛ حيث يلزم من كون الإمام أو نائبه يقوم بمصالح المسلمين العامة: أن يستأذن في الأعمال العامة، وهذا يلزم منه: ضمان ما تلف بسبب عمل شيء بدون إذنه، ولا يضمن إن عمله بإذنه؛ لكونه عمل ماله عمله شرعًا قلتُ: هذا بعيد؛ لأن هذه الأعمال الخيرية يشق استئذان الإمام أو نائبه فيه؛ نظرًا لكثرة ما تُعمل، ودفعًا لتلك المشقّة، ومنعًا من تعطيل تلك الأعمال الخيرية: شُرع عدم استئذانه، وعدم ضمان ما تلف بسببها؛ حثًا للمسلمين على تكثير الأعمال الخيرية، فإن قلتُ: ما سبب الخلاف هنا؟ قلتُ: سببه: "تعارض التلازم مع القياس والمصلحة". (فرع): إن حفر شخص بئرًا في ملك نفسه، فتلف فيها شيء بسقوطه، ولو كان إنسانًا: فلا يضمن صاحب البئر، وهذا معنى قوله ﷺ:"والبئر جبار"، وكذا: إن استأجر شخص شخصًا آخر بأن ينزل إلى أسفل بئر ليستخرج ما فيها من معدن أو غيره، أو استأجره ليبني له جدارًا، فانهارت عليه البئر، أو سقط عليه الجدار فلا ضمان في ذلك كله، وهذا معنى قوله ﷺ:"والمعدن جبار"؛ للتلازم؛ حيث يلزم من حفره في ملكه وتلف المستأجَر فيها وفعله ماله فعله شرعًا =