بالدَّين) حكاه ابن المنذر إجماعًا؛ لحديث:"نهى النبي ﷺ عن بيع الكاليء بالكاليء" وهو: بيع ما في الذمة بثمن مُؤجَّل لمن هو عليه، وكذا: بحالٍّ لم يُقبض قبل التفرُّق، وجعله رأس مال سَلَم (٣٣).
فصل:(ومتى افترق المتصارفان) بأبدانهما كما تقدَّم في خيار المجلس (قبل قبض الكل) أي: كل العِوض المعقود عليه في الجانبين (أو) قبل قبض (البعض) منه: (بطل العقد فيما لم يُقبض): سواء كان الكل أو البعض؛ لأن القبض شرط لصحة العقد؛ لقوله ﵇:"وبيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد" ولا يضرُّ طول المجلس
جاز ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن هذه الأشياء ليست بربوية، ولا تخص ما يستطعمونه الناس في يومهم وليلتهم، فإن قلتَ: لِمَ ذكر هنا جواز بيع النسأ ولم يذكر جواز الفضل؟ قلتُ: لأن النسأ إذا جاز فمن باب أولى: جواز الفضل، ولكن لا يجوز العكس: فقد يجوز الفضل كبيع صاع بر بصاعين شعير ولكن لا يجوز في ذلك النسأ؛ لأنه لا بدَّ من التقابض فيه والحلول كما سبق.
(٣٣) مسألة: يحرم بيع الدَّين بالدَّين وإذا وقع فهو فاسد كأن يبيع زيد على بكر ثوبين بعشرين صاعًا من البر يدفعها بكر بعد سنة، فيقول زيد بعد مُضي شهر أو أكثر:"اشتر مني تلك الأصواع العشرين بمائة ريال في الذمة" فيشتريها بكر بمائة في الذمة تحل بعد سنة أو أكثر، وهذا بيع النسيئة بالنسيئة، أو يقول زيد:"جعلتُ ما في ذمتك وهي العشرون صاعًا رأس مال سَلَم على أن تعطيني بدلها كذا" أو يقول زيد: "بعتك تلك العشرين صاعًا التي في ذمتك بمائة" ولكن لم يقبض زيد تلك المائة وتفرقا، وهذه صور بيع الدين بالدين؛ للسنة القولية: حيث نهى ﵇: "عن بيع الكالئ بالكالئ" والنهي هنا مطلق، فيقتضي التحريم والفساد؛ فإن قلتَ: لِمَ يحرم ذلك؟ قلتُ: للمصلحة؛ حيث إن ذلك فيه ضرر على المعسر، الذي هو المشتري وهو بكر هنا - حيث يُزاد عليه الثمن حيلة، وهذا فيه أكل أموال الناس بالباطل.