وجاء هذا الإِنباءُ عنْ حَدَثٍ سيكونُ مستقبلاً على طريقة تصوير حالهم المستقطعِ من المستقبل، والمحكيّ عند التنزيل، باعتبار زمان ذلك الحال، ومكانه، لا باعتبار أنَّه خَبَرٌ يُذْكَرُ فيه ما سيَحْدُثُ مُسْتَقْبلاً.
ومن المعلوم أنَّ تصوير الحال المستقطَعِ من المستقبل يتضمَّن الْخَبَرَ بما سيَحْدُثُ لزُوماً عقليّاً، مع تأكيد تحقُّقِ الوقوع بجعله كأنَّه أمْرٌ حاصل وحدثٌ قائم.
كذلك شأن كلّ الصُّوَر التمثيليّة الْمُستَقْطَعة من الماضي أَوْ مِنَ المستقبل، إذْ يُؤْتَى بها مُحَاطةً بظروفِها الزمانيّة والمكانيّة، فتُقَدَّمُ كأَنّها أحداثٌ قائمةٌ فِعْلاً.
وهذا العرضُ الفنّيُّ يُشعِرُ بأنّ ما جاء في العرض هو من الحقائق الّتي حَدَثَتْ فِعْلاً في الماضي، أو هو من الحقائق التي ستحدثُ فِعلاً في المستَقْبَل، لأنَّ الْقُرْآن حقٌّ لاَ يأتيِه الباطل من بَيْنِ يديْهِ ولاَ مِنْ خَلْفِه، بخلاف قِصَصِ الناس وحكاياتهم وتمثيليّاتهم، فمُعْظَمُها من صُنْع خيال كاتبيها.
وقد تحقّق فيما بَعْد انْهِزامُ جُنْدِ كُفَّارِ قريشٍ في غزوة بدْرٍ الكُبْرَى، ثُمَّ في غَزْوةِ الأحزاب، إلى غير ذلك من غزوات، وكان هذا من معجزات القرآن الخبريّة الّتي أخْبَر عنها وتحقَّقَتْ كما جاء في خَبَرِه.
***
المثال الخامس:
وجاء في سورة (القمر/ ٥٤ مصحف/ ٣٧ نزول) حكايَةُ تكذيب ثمود بالنُّذُر، وحكايةُ بعض أقوالهم، فقال الله عزّ وجلّ فيها: