(٥) والتجسُّس يغْلبُ فيه العملُ الفرديّ الذي يستخفي به فاعله فجاء التعبيرُ فيه بأسْلُوب: {وَلاَ تجَسَّسُوا} فالنهيّ للجماعة عمّا يمكنُ أن يقوم به كلّ فردٍ منْهُم هو نهيٌ موجّه لكل فرد، وأسلوبُ هذا التعبير يصْلُح تعميمُه على سائر القبائح السّتّ: فنقول فيها: "لاَ تَسْخَرُوا - لاَ تَلْمِزُوا - لاَ تَنْبِزُوا بالألقاب - لا تَتَّبِعُوا كثيراً مِنَ الظنّ - لاَ تغتابُوا".
(٦) والغيبة ظاهرة من ظواهر القبائح الاجتماعية، التي يؤذي أو يَضُرُّ بهَا النَّاسُ بعضُهم بعضاً، إذْ فيها مُغْتَابٌ وسامع مشاركٌ لَهُ أو أكثر، فجاء التعبيرُ في النهي عنها بأسلوب:{وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وهذا الأسلوبُ من التعبيرُ يَصْلُحُ تعميمُه على سائر القبائح السّتّ، فنقولُ فيها:"لاَ يَسْخَرْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ - لاَ يَلْمِزْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً - لاَ يَنْبزْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً - لاَ يَتَّبِعْ بَعْضُكُمْ كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ بِبَعْضٍّ - لاَ يتجسَّسْ بَعْضُكُمْ عَلَى بعض".
بعد هذا الشرح المفصّل أقول: إنّ المتدبّر الْفَطِن يكشفُ أنّ جمع هذه التعبيرات ذوات الأداء المختلف، في نصٍّ واحد قد جمع عدّة رذائل اجتماعيّة، هي أشباهٌ ونظائر فيما بينها ويُمْكن أن يوضع لها عنوان واحد، بغيَة النهي عَنْها والتحْذيرِ مِنْها، يُشْعِر بأنّ كلّ تعبير منها يَصْلُح تعميمُهُ واستعماله في سائرها.
وهذا من روائع الإِيجاز والإِعجاز البيانيّ الّذي اشتمل عليه القرآن المجيد.
***
المثال الثاني:
قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النمل/ ٢٧ مصحف/ ٤٨ نزول) :
{قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفىءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمَّنْ خَلَقَ