فالحكمة الأُولى: نُدْركُها في قول الله عزّ وجلّ خطاباً للرَّسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} .
وتثبيتُ الْفُؤادِ يكُون بما يُورثُهُ السُّكُونَ والطُّمَأْنينَةَ تُجَاهَ مَا يُمْكنُ أن يَهُزّهُ ويُقْلِقَهُ ويُزْعجَهُ مِنْ أحداثٍ يوميَّةٍ غيرِ سارّة.
وقد كان الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتَعَرَّضُ منْ قِبَل كُفَّارِ قَوْمِه لأحْدَاثٍ كثيرةٍ غير سارّةٍ تُقْلِقُ وتُزْعِجُ أفْئِدَة عظماءِ الرجال. فإذا وجَدَ نفسَه على صلةٍ بالْوَحْي من آنٍ لآخر بصُورَةٍ متكرِّرة، لمْ تُزْعِجْهُ ولمْ تُقْلِقْه الأحداثُ، إذْ يشْعُرُ حِسِّيّاً بأنّ الرّبّ الجليلَ الذي أرسَلَهُ وأنزل عليه جِبْريلَ بالْوَحي، لم يَتْرُكْهُ لِنَفْسِه يُؤدّي وظائِفَ رِسَالته، بل هو على صِلَةٍ به، يُنَزّلُ عليه الآيَاتِ القرآنيّة تِباعاً، ويُعالجُ الأحداثَ التي يتعرَّضُ لها تِبَاعاً، ويُقَدِّمُ لَهُ الوصايَا والتعليمات الهاديات له في مسيرته، وهو يقوم بوظائف رسالته، ويَشْعُر أيضاً بأنّه مدعومٌ بقُوَّةٍ عظيمةٍ من الغيب، تتابعُهُ في كُلّ صغيرةٍ وكبيرة.
والْحِكْمَةُ الثَّانية: نُدْرِكُها في قول الله عزّ وجلّ في النصّ: [الآية: ٣٢] .
هذه الحكمةُ جاءتْ بأُسلوبٍ مخالفٍ لأسْلوبِ عَرْضِ الحْكْمَةِ الأولى، الأمْر الذي قد يجعل تاليَ النص لا يُدْرك أنّ النصّ يُتابعُ بيانيَ الْحِكَمِ منْ تنزيل القرآن مُنَجّماً.