للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إنَّ فعل "خَلاَ" يأتي في اللّغة للدّلالة على معنَى انفراد الإِنسان في خَلْوَة، لا يكون معه فيها أحَدٌ، فيقولون: خلا الرجل، ورُبَّما قالُوا: خلا بنَفْسِه، فإذا أرادوا بيان أنّ الخلوة حصلَتْ مَعَ فريقٍ آخر قالوا: خَلاَ به، أو خلا معه، ولاَ يُعَدَّى فِعْلُ "خَلا" بحرف "إلى" بحسب أصل الاستعمال.

فكيف نُفَسِّر هذه التعدية؟

أقول: إنَّ فعل "خلا" ضُمّن معنى فعل "رجَعَ" فَعُدِّي تَعْدِيته، والتقدير: وإذا خَلَوْا راجِعينَ إلى شياطينهم قالوا لهم: إنّا معكم إنَّما نَحْنُ مستهزئون بالمؤمنين.

المثال السادس:

قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (ص/ ٣٨ مصحف/ ٣٨ نزول) في حكاية فتوى داود عليه السلام للفريقين الّذَيْنِ تَسَوَّروا عليه المحراب:

{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ ... } [الآية: ٢٤] .

إنّ كلمة "سُؤَال" لا تُعَدَّى بحرف "إلَى" ولكنّها ضُمّنَت معنى الجمْع والضّمّ فعدّيَتْ بحرْفِ "إلى" والتقدير: لقد ظلمك بسؤال نَعْجَتِكَ ضامّاً إيَّاها إلى نعاجه.

قال ابن تيمية.

"والعرب تُضمّن الفعل معنى الفعل، وتُعَدِّيه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، كما يقولون في قوله: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ} أي: مع نعاجه و {وَمَنْ أَنْصَارِي إلَى الله} أي: مع الله، ونحو ذلك.

والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمّن جمعها وضَمَّها إلى نعاجه، وكذلك قوله: {وَإِنْ كادوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} [الإسراء: ٧٣]

<<  <  ج: ص:  >  >>