ولهذا الانتقال أغراض بلاغيّةٌ يقصدها البلغاء، ويكتشف متدبّر النصوص الرفيعة أغراضاً نفيسة تُقْصد بهذا الانتقال.
* فمن الانتقال من الماضي إلى المضارع فالماضي قول الله عزّ وجلّ في سورة (فاطر/ ٣٥ مصحف/ ٤٣ نزول) :
{والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النشور}[الآية: ٩] .
كان مقتضى الظّاهر بَعْدَ فعل {أَرْسَلَ} الماضي أن يُعْطَفَ عليه بفعل ماضٍ فيقال: "فأثارت" لكن عُدِلَ عن هذا الظاهر إلى: {فَتُثِيرُ} بالمضارع بُغْيَة تقديم صُورَةِ السَّحابِ المثار كأنّه حدَثٌ يجري مع تلاوة النَّصّ، وهذا أسلوب فَنِّيٌّ بديعٌ، فيه إحضارٌ للمشاهد الماضية في صُوَر المشاهد الحاضرة الجارية، ذاتِ الأحداث المتجدّدة، إذ الفعل المضارع يفيد مع الحدوث الحاضر ظاهرة التجدّد والتتابع.
يضافُ إلى هذا الغرض التنويعُ في أسلوب التعبير الذي يستثير الانتباه ويستدعيه بقوة.
ونلاحظ في هذه الآية العود إلى الفعل الماضي بقوله تعالى:{فَسُقْنَاهُ - فَأَحْيَيْنَا} للتأكد على أنَّ الغرض من التعبير بعبارة: {فَتُثِيرُ} تَصْوِيرُ حَدَثٍ مضَى بصُورَةٍ حدثٍ يجري في الحاضر.
* ومن الانتقال من المضارع إلى الماضي قول الله عزّ وجلّ في سورة (النمل/ ٢٧ مصحف/ ٤٨ نزول) في وصق بعْضِ أحداث يوم القيامة:
{وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصور فَفَزِعَ مَن فِي السماوات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَآءَ الله وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ}[الآية: ٨٧] .