وهكذا تختلف وجهات أنظار النّاس إلى هذه الأوساط المشتبهات، التي لم يتمحّص فيها الجمال، ولمْ يتمحّض فيها القبح، وتتدخّل عوامل نفسيّة في الاستحسان، أو في عدم الاستحسان، وربّما تتدخّل عوامل أخرى تّتصل بمدى القدرة على الإِحساس بالجمال، أو بمَدَى الخبرة بفنونه وألوانه وأشكاله ونسبته، أو بمَدَى دقّة الملاحظة التي قد تَقَعُ على النّقص فتقف عنده، وتجسّمه حتى يملأ الساحة، أو تَقَعُ على لمحة جماليّة فتقف عندها مُعَجْبَةً وتعظّمها، ويتدخّل الوهم في مدّها حتى تملأ كل الساحة. وهكذا.
***
(٤) عوامل اختلاف نظرات الناس إلى الجمال
لدى تحليل العوامل التي تجعل النّاس يختلفون في نظراتهم الجماليّة إلى الأشياء اختلافاً كبيراً، حتى إنَّ الشيء الواحد قد يستحسنه فريق، وقد يستقبحه فريق آخر، ويجعله فاتراً واقفاً على الحياد فريق ثالث، والمستحسنون له قد يتفاوتون في درجة استحسانه، والمستقبحون له قد يتفاوتون في درجة استقباحه. لدى هذا التحليل نلاحظ العوامل التالية:
العامل الأول: التلاؤم أو عدم التلاؤم بين أجهزة الإِحساس في الإِنسان والأشياء التي يُدْرِكها ويُحِسّ بها.
والأمزجة والأذواق البشريّة تختلف في هذا اختلافاً فطريّاً لا يُنْكَر، وبسبب هذا العامل قد تختلف أحكامهم في هذا المجال.
العامل الثاني: تدخُّل أهواء أو مصالح شخصيّة مرافقة.
وبسبب هذه الأهواء أو المصالح تختلف وجهة نظر أصحابها عن وجهات أنظار الآخرين الذي ليس لهم أمثال هذه الأهواء أو المصالح.