كان من الممكن أن يقولوا: وما أنْتَ بمصدِّقٍ لنا وإنْ كنّا صادِقين، فيصنَعُوا جناساً.
لكنّ هذا الجناس يفوّتُ معنىً قَصَدُوا التعبير عنه، وهو أنَّ أباهم غَيْرُ مطمئن لمشاعرهم تُجاه أخيهم، إذْ هُو يعلمُ حسَدَهم له، فلو كانوا صادقين حقّاً وصَدَّقهم لما وصلَ تصديقه إلى درجةِ الإِيمان يُحْدِثُ في القلب الطَّمْأْنينة.
ومن الأمثلة الكاشفة أيضاً قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الصَّافات/ ٣٧ مصحف/ ٥٦ نزول) حكاية لمقالة "إلياس عليه السلام" لقومه بشأن إلهِهِم "بَعْل":
كان من الممكن أن يُسْتَخْدَم في هذا التعبير الجناس، بأن يُقالَ: أَتَدْعُونَ بَعْلاً وتَدَعُونَ أَحْسَنَ الخالقين.
لكنّ استخدام هذا الجناس يُفَوّتُ معنىً مقصوداً، والدّلالة عليه أولى من الاحتفاء بمُحَسِّنٍ لفظي، وذلِكَ لأَن كلمة "تَدَعُون" تدلُّ على أنّ المتروكَ شيءٌ معتنىً به، بشهادة الاشتقاق، إذْ مادّة الكلمة ليست موضوعة لمطلَق التَّرْك، بل هو ترك مقرون بالاعتناء بحال المتروك، ومنه ترك الوديعة، ولذلك يُختار لها من هو مؤتَمَنٌ عليها، وتُودَعُ لتُسْتعادَ بعد حين.