للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بمعروفٍ مع فقرِ مَنْ تجبُ له وعجزِه عن تكسُّبٍ، ويسارِ منفِقٍ،

وتكونُ النفقةُ على من تجبُ عليه (بمعروفٍ) لقولِه تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ إلى قولِه: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٢٣٣] فأوجبَ على الأبِ نفقةَ الرضاعِ، ثُمّ أوجبَ على الوارثِ مثلَ ما أوجبَه على الأبِ. وروى أبو داودَ (١) أن رجلًا سألَ النبيَّ : من أبَرُّ؟ قال: "أمَّك وأباك، وأختَك وأخاك". وفي لفظٍ: "ومولاكَ الذي هو أدناك حقًّا واجبًا ورَحِمًا موصولًا".

ويشترطُ لوجوبِ نفقةِ القريبِ ثلاثةُ شروطٍ:

الأوَّلُ: أنْ يكونَ المنفِقُ وارثًا للمنفَقِ عليه، وتقدَّمت الإشارةُ إليه.

الثاني: فقرُ المنفَقِ عليه، وقد أشارَ إليه بقولِه: (مع فقرِ مَن تجبُ له) النفقةُ (وعجْزِه عن تكسُّبٍ) لأنَّ النفقةَ إنَّما تجبُ على سبيلِ المواساةِ، والغنيُّ بِملكِه أو قدرتِه على التكسُّبِ مستغنٍ عن المواساةِ، ولا يُعتبرُ نقصُه؛ فتجبُ لصحيحٍ مكلَّفٍ لا حرفةَ له.

الثالثُ: غِنى منفِقٍ، وإليه أشارَ بقولِه: (ويَسارِ منفِقٍ) بأن يفضُلَ ما يُنفقُه على قريبِه عن قُوتِ نفسِه، وزوجتِه، ورقيقِه، يومَه وليلتَه، وعن كسْوةٍ، ومَسكنٍ مِن حاصلٍ (٢) في يدِه، أو متحصَّلٍ (٣) من صناعةٍ وتجارةٍ وأجرةِ عقارٍ، ونحوِها؛ لحديثِ جابر مرفوعًا: "إذا كان أحدُكم فقيرًا، فليبدأ بنفسِه، فإن كان فَضْلٌ، فعلى عيالِه، فإن كان فضلٌ، فعلى قرابتِه" (٤).

ولا تجبُ نفقةُ قريبٍ من رأسِ مالٍ، أو ثمنِ مِلكٍ، أو آلةِ صِناعةٍ؛ للضَّررِ


(١) برقم (٥١٤٠) من حديث كليب بن منفعة، عن جدِّه.
(٢) جاء في هامش (س) ما نصه: "قوله: حاصل، أو متحصل. أي: موجود أو متجدد. انتهى. قرره"، وفي هامش الأصل: "حاصل: أي موجود".
(٣) جاء في هامش الأصل ما نصه: "متحصل، أي متجدد".
(٤) أخرجه أبو داود (٣٩٥٧)، والنسائي ٧/ ٣٠٤، وأحمد (١٤٢٧٣)، وهو عند مسلم (٩٩٧) بنحوه.