للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْمَنْصُورَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مُعَاوِيَةَ.

وَكَانَ الْمَنْصُورُ إِذَا ذُكِرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ: ذَاكَ صَقْرُ قُرَيْشٍ، دَخَلَ الْمَغْرِبَ وَقَدْ قُتِلَ قَوْمُهُ، فَلَمْ يَزَلْ يَضْرِبُ الْعَدْنَانِيَّةَ بِالْقَحْطَانِيَّةِ حَتَّى تَمَلَّكَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ: (أَقَامَ عَبْدُ) [١] الرَّحْمَنِ فِي بِلادِهِ (يَدْعُو) بِالْخِلافَةِ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ أَعْوَامًا، ثُمَّ تَرَكَ الْخُطْبَةَ [٢] .

وَقِيلَ لَمَّا تَوَطَّدَ مُلْكُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَارَتْ إِلَيْهِ بَنُو أُمَيَّةَ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، فَأَكْرَمَ مَوْرِدَهُمْ وَادَّبَّرَ أَرْزَاقَهُمْ، وَلَمْ يَهْجُهُ بَنُو الْعَبَّاسِ، وَلا هُوَ تَعَرَّضَ لَهُمْ، بَلْ قَنَعَ بِإِقْلِيمِ الأَنْدَلُسِ.

قَالَ سَعِيدُ بْنُ عُثْمَانَ اللُّغَوِيُّ الَّذِي تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعِمِائَةٍ: كَانَ بِقُرْطُبَةَ جَنَّةٌ اتَّخَذَهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَكَانَ فِيهَا نَخْلَةٌ أَدْرَكْتُهَا، وَمِنْهَا تَوَلَّدَتْ كُلُّ نَخْلَةٍ بِالأَنْدَلُسِ.

قَالَ: وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ:

يَا نَخْلُ أَنْتِ غريبة مثلي ... في العرب نَائِيَةٌ عَنِ الأَصْلِ

فَابْكِي، وَهَلْ تَبْكِي مُكَيَّسَةٌ [٣] ... عَجْمَاءُ، لَمْ تُطْبَعْ عَلَى خَيْلِ؟

لَوْ أَنَّهَا تَبْكِي، إِذًا لَبَكَتْ ... مَاءَ الْفُرَاتِ وَمَنْبِتَ النَّخْلِ

لكنّها ذهلت وأذهلني ... (بعضي) [٤] بَنِي الْعَبَّاسِ عَنْ أَهْلِي [٥]

وَمِنْ شِعْرِهِ أَيْضًا:

أَيُّهَا الرَّاكِبُ [٦] الْمُيَمِّمُ أَرْضِي ... أَقْرِ مِنْ بَعْضِي السّلام لبعضي [٧]


[١] في الأصل بياض، وما أثبتناه بين القوسين اعتمادا على (الحلّة السيراء ١/ ٣٥) .
[٢] انظر: الحلّة السيراء ١/ ٣٥، ٣٦) .
[٣] في سير أعلام النبلاء ٨/ ٢٢٤ «ملمّسة» .
[٤] في الأصل بياض، واستدركتها من الحلّة.
[٥] الأبيات في: الحلّة السيراء لابن الأبّار ١/ ٣٧، وسير أعلام النبلاء ٨/ ٢٢٣، ٢٢٤، وقد ذكرها المقّري في «نفح الطيب» ٣/ ٦٠ باختلاف عما هنا، ونسبها لعبد الملك بن مروان.
[٦] في «سير أعلام النبلاء» ٨/ ٢١٩ «الركب» ، والمثبت يتفق مع «الحلّة السيراء» .
[٧] في «الحلّة السيراء» ، و «المعجب في أخبار المغرب» - ص ١٢ «لبعض» من غير ياء.