إلّا ورماها، فبلغه ذَلِكَ، فاحتدّ وقال: لأجل هذا ما أذِنت لكم فِي السَّعْي.
وأقام فِي عزتا ستَّ سنين وسبعة أشهر، يعني فِي الحبْس.
وأصاب النّاسَ جدْبٌ، وكان هُوَ فِي ذَلِكَ الوقت يركب الخيل العربيّة ويلبس الملبوس الجميل، ولم يكن فِي بيته حصير، وربّما تغطّى هُوَ وأهلُه بجِلّ الفَرَس.
وقال: نسجت ثوب حرير كما جرت العوائد والثّوب كالثّياب المعتادة بالتَّخازين والأكمام والنّيافق، والكلّ نسج لم يدخل فِيهِ خَيْطٌ ولا إبْرة، فلمّا فرغ دوّروه فِي البلد، وشهد الصُّنّاع بصحّته تركته وبكيت، فَقَالَ لي إنسان:
عَلَى أَيْشٍ تبكي؟ فقلت: عَلَى زمان ضيّعتُه فِي فِكري فِي عمل هذا كيف ما كَانَ فيما هُوَ أهم منه.
وقال لنا صاحبنا شمسُ الدين محمد بن إبراهيم الجزري في «تاريخه»[١] :
حكى لي زينُ الدّين أَبُو الحَرَم بْن مُحَمَّد بْن عسيرة الدّمشقيّ الحريريّ قَالَ: كَانَ أَبِي مجاور الشَّيْخ عَلِيّ الحريريّ بدُكّان عَلَى رأس درب الصّقيل، وكان قد وقف عَلَى الشَّيْخ عَلِيّ دراهمَ كثيرة، فحبسوه، ودخل الحبْس وما معه دِرهم، فبات بلا عَشاء، فلمّا كَانَ بُكْرةً صلّى بالمُحَبَّسِين، وقعد يذكّر بهم إلى ساعتين من النّهار، وبقي كلُّ من يجيئه شيء مِن المأكول مِن أهله يشيله، فلمّا قارب وقت الظُّهر أمرهم بمدّ ما جاءهم، فأكل جميع المحبَّسين وفضل منه، ثُمَّ صلّى بهم الظُّهر، وأمرهم أن يناموا ويستريحوا، ثُمَّ صلّى بهم العصر، وقعد يذكر بهم إلى المغرب، وكلّما جاءهم شيء رفعه، ثُمَّ مدّده بعد المغرب مَعَ فضلة الغداء، فأكلوا وفضل شيء كثير. فلمّا كَانَ فِي ثالث يوم أمرهم مَن عَلَيْهِ أقلّ من مائة درهم أن يَجْبوا لَهُ من بينهم، فخرج منهم جماعة وشرعوا فِي خلاص الباقين، يعني الّذين خرجوا. وأقام ستّة أشهر، فخرج خلْقٌ كثير، ثمّ إنّهم جَبَوا لَهُ وأخرجوه، وعاد إلى دُكّانه. وصار أولئك المحبَّسون فيما بعد يأتونه العصر، ويطْلعون بِهِ إلى عند قبر الشَّيْخ رسلان فيذكر بهم. وربّما يطلعون إلى الجسر العبديّ، وكلّ يوم يتجدّد لَهُ أصحابٌ إلى أن آل أمرُه إلى ما آل.