للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بثوبه إليهم فجاءوا معهم ماء، فسقوه وأخذوا بيده، فقال لهم: الحقوا رفيقين لي، فَمَا شعرت إلّا برجلٍ يَصُبُّ الماء على وجهي، ففتحت عينيّ، فقلت:

اسقني. فصبَّ من الماء فِي مشربة قليلًا، فشربت ورجعت إِلَيّ نفسي. ثُمَّ سقاني قليلًا وأخذ بيدي، فقلت: ورائي شيخ مُلقى. فذهب جماعةٌ إليه. وأخذ بيدي وأنا أمشي وأجرَّ رجلي، حَتَّى إذا بلغت عند سفينتهم وأتوا بالشيخ، وأحسنوا إليه، فبقينا أيّامًا حَتَّى رَجَعت إلينا أنفُسُنا. ثُمَّ كتبوا لنا كتابًا إِلَى مدينة يُقَالُ لها راية، إِلَى واليهم. وزوّدونا من الكعك والسَّوِيق والماء. فلم نزل نمشي حَتَّى نفد ما كان معنا من الماء والقُوت، فجعلنا نمشي جياعًا على شاطئَ البحر، حَتَّى دُفِعنا إِلَى سُلْحُفاةٍ مثل الفرس. فعمدنا إلي حجر كبير، فضربنا على ظهرها فانفلق، فإذا فِيهِ مثل صُفْرة البيض، فحسيناه حَتَّى سكت عنّا الجوع، حَتَّى توصلنا إِلَى مدينة الرّاية وأوصلنا الكتاب إِلَى عاملها.

فأنزلنا فِي داره. وكان يُقَدّمُ إلينا كل يوم القَرْع، ويقول لخادمه: هات لهم اليَقْطِين الْمُبَارَك. فيُقَدِّمه مع الخُبز أيّامًا. فقال واحد منّا: ألا تدعو باللّحم المشئوم. فسمع صاحب الدّار، فقال: أَنَا أحسن الفارسية فَإِنّ جدّتي كَانَتْ هَرَويّة. وأتانا بعد ذلك باللّحْم. ثُمَّ زوَّدنا إِلَى مصر [١] .

سمعتُ أبي يقول: لا أُحصي كم مرّةٍ سرت من الكوفة إِلَى بغداد [٢] .

تُوُفِّيَ أبو حاتم فِي شعبان سنة سبْعٍ وسبعين، وله اثنان وثمانون سنة.

قال: وأنشدني أبو محمد الإياديّ فِي أبي مَرْثيَّةً بقصيدة طويله أوّلها:

أَنَفْسي ما لك لا تجزعينا ... وعيني ما لك لا تدمعينا

ألم تسمعي بكسوف العلو ... م فِي شهر شعبانَ محقًا مبينا

ألم تسمعي خبر المرتضى ... أبي حاتم أعلم العالمينا [٣]


[١] تقدمة المعرفة ١/ ٣٦٤- ٣٦٦.
[٢] تقدمة المعرفة ١/ ٣٦٧.
[٣] تقدمة المعرفة ١/ ٣٦٩.