وهذا مصداق ما تقدَّم عن أبي العالية الرياحي ﵀(ت: ٩٠ هـ)، عندما قال:"كنا نسمع الرواية عن أصحاب رسول الله ﷺ بالبصْرة، فلم نرضَ حتى ركبنا إلى المدينة، فسمعناها من أفواههم"(١).
٦ - وكان علماء التابعين ﵏ يتذاكرون الحديث فيما بينهم، فيأخذون ما عرفوا ويتركون ما أنكروا، كما قال الإمام الأوزاعي ﵀(ت: ١٥٧ هـ): "كنا نسمع الحديث فَنَعرضه على أصحابنا، كما يعرض الدرهم الزائف، فما عرفوا منه أخذنا به، وما أنكروا تركناه".
٧ - وهكذا أصبح السؤال عن الإسناد، وطلبُ معرفة أحوال الرواة محلَّ اهتمامٍ كبير بين العلماء، منذ وقت مبكر، وكلَّما مرّ الوقت أكثر ازداد اهتمامهم أكثر، حتى أصبح كلّ محدِّث يحرص على إسناد حديثه، والكشف عن رجاله، وصار يُنظر إلى الحديث الذي لا سَنَدَ له كالبيت الذي لا أساس له.
٨ - ونتيجة لهذا الاهتمام البالغ بالإسناد، فقد التزمتْ به الكتب التي أُلِّفتْ فيما بعد في الأحاديث، وأصبحتْ تسمَّى اختصاراً بكُتُبَ المسانيد، أو الكتب المسندة.