خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ونحن نعلم أن الله - عز وجل -، خلق أشياء قبل هذه المدة بأزمنة لا يعلمها إلا الله - عز وجل - لم يزل ولا يزال خالقا، وعلى هذا؛ فيكون: إن أول ما خلق الله القلم يحتاج إلى تأويل ليطابق ما علم بالضرورة من أن الله تعالى له مخلوقات قبل هذا الزمن.
قال أهل العلم: وتأويله: إن المعنى: أن أول ما خلق الله القلم بالنسبة لما نشاهده فقط من المخلوقات، كالسماوات والأرض ... فهي أولية نسبية، وقد قال ابن القيم في نونيته:
والناس مختلفون في القلم الذي ... كُتب القضاء به من الديّان
هل كان قبل العرش أو هو بعده ... قولان عند أبي العلا الهمذاني
والحق أن العرش قبل لأنه ... قبل الكتابة كان ذا أركان
قوله:(فقال له: اكتب) . القائل هو الله - عز وجل - يخاطب القلم، والقلم جماد، لكن كل جماد أمام الله مدرك وعاقل ومريد، والدليل على هذا قوله تعالى:{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا} ، أي: لا بد أن تنقادا لأمر الله طوعا أو كرها، فكان الجواب:{قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}(فصلت الآية ٩-١١) ، فقد خاطب الله السماوات والأرض وأجابتا ودل قوله:{طَائِعِينَ} على أن لها إرادة وأنها تطيع، فكل شي أمام الله، فهو مدرك مريد ويجيب ويمتثل.