فأنت إذا علمت هذا العلم وتيقنته بقلبك، ذقت حلاوة الإيمان، واطمأننت، واستقر قلبك، وعرفت أن الأمر جار على ما هو عليه لا يمكن أن يتغير، ولهذا كثيرا ما يجد الإنسان أن الأمور سارت ليصل إلى هذه المصيبة، فتجده يعمل أعمالا لم يكن من عادته أن يعملها حتى يصل إلى ما أراد الله - عز وجل - مما يدل على أن الأمور بقضاء الله وقدره.
قوله:(وما أخطأك لم يكن ليصيبك) . نقول فيه مثل الأول، يعني: ما قدر أن يخطئك فلن يصيبك، فلو أن أحدا سمع بموسم تجارة في بلد ما وسافر بأمواله لهذا الموسم، فلما وصل وجد أن الموسم قد فات، نقول له: ما أخطأك من هذا الربح الذي كنت تعد له لم يكن ليصيبك، مهما كان ومهما عملت، أو تقول: لم يكن ليصيبك؛ لأن الأمر لا بد أن يجري على ما قضاه الله وقدره، وأنت جرب نفسك تجد أنك إذا حصلت على هذا اليقين ذقت حلاوة الإيمان.
ثم استدل لما يقول بقوله: (سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «أن أول ما خلق الله هو القلم» . القلم بالرفع، وروي بالنصب.
فعلى رواية الرفع يكون المعنى: أن أولَ ما خلق الله هو القلم، لكن ليس من كل المخلوقات، كما سنبينه إن شاء الله تعالى
وأما على رواية النصب، فيكون المعنى: أن الله أمر القلم أن يكتب عند أول خلقه له، يعني،: خلقه ثم أمره أن يكتب، وعلى هذا المعنى لا إشكال فيه، لكن على المعنى الأول الذي هو الرفع: هل المراد أن أول المخلوقات كلها هو القلم؟
الجواب: لا، لأننا لو قلنا: إن القلم أول المخلوقات، وإنه أُمر بالكتابة عندما خلق، لكنا نعلم ابتداء خلق الله للأشياء، وأن أول بدء خلق الله كان قبل