للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ــ

٢. كتابة كونية، وهذه يلزم منها وقوع المكتوب كما في هذه الآية، ومثل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥] ، وقوله: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة: ٢١] .

قوله: {وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ} أي يختبر ما في صدوركم من الإيمان بقضاء الله وقدره، والإيمان بحكمته فيختبر ما في قلب العبد بما يُقدِّره عليه من الأمور المكروهة؛ حتى يبين من استسلم لقضاء الله وقدره وحكمته ممن لم يكن كذلك.

قوله: {وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} . أي: إذا حصل الابتلاء فقوبل بالصبر، صار في ذلك تمحيص لما في القلب، أي: تطهير له وإزالة لما يكون قد علق به من بعض الأمور التي لا تنبغي.

وقد حصل الابتلاء والتمحيص في غزوة أُحد بدليل أن الصحابة لما ندبهم الرسول (١) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين قيل له: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران ١٧٢] خرجوا إلى حمراء الأسد ولم يجدوا غزوا فرجعوا، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: ١٧٤] .

قوله: {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} . جملة خبرية فيها إثبات أن الله عليم بذات الصدور، والمراد بها القلوب، كما قال تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: ١٤٦] ، فالله لا يخفى عليه شيء


(١) البخاري: كتاب المغازي / باب (الذين استجابوا لله والرسول) ، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة / باب من فضائل طلحة والزبير.

أما خروجهم إلى حمراء الأسد فقد أخرجه ابن كثير في تفسيره (١/ ٣٣٧) . وصححه ابن حجر في الفتح (٨/ ٢٢٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>